تفكيك عقدة الهول.. اتفاق كردي - سوري يعيد فتح بوابة العودة للنازحين
تفكيك عقدة الهول.. اتفاق كردي - سوري يعيد فتح بوابة العودة للنازحين

بعد سنوات من الجمود الأمني والسياسي حول واحد من أكثر الملفات حساسية في شمال شرق سوريا، بدأ جدار الصمت يتشقق أخيرًا، في خطوة وُصفت بـ"المفصلية"، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية عن اتفاق مع الحكومة السورية المؤقتة في دمشق يقضي بإجلاء المواطنين السوريين من مخيم الهول، الذي طالما شكّل بؤرة توتر إقليمي وإنساني.
الاتفاق، الذي أتى عقب لقاء ثلاثي جمع ممثلين عن الإدارة الكردية، والحكومة المركزية، ووفدًا من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، لا يشير فقط إلى نوايا إنسانية بإنهاء معاناة آلاف النساء والأطفال، بل يعكس أيضًا مسارًا سياسيًا جديدًا يتبلور منذ سقوط نظام بشار الأسد.
في قلب هذا التطور، تتشابك ملفات عالقة: من مصير السجون والمقاتلين، إلى مستقبل قوات سوريا الديمقراطية، وصولًا إلى من يملك اليد العليا على الحقول الحدودية وموارد النفط. هذه ليست مجرد عملية إجلاء، بل إعادة ترتيب لخرائط النفوذ.
*معضلة إنسانية وأمنية*
جاء الإعلان عن التفاهم الأخير بين الإدارة الذاتية الكردية والحكومة السورية المؤقتة حول مخيم الهول كاختراق سياسي طال انتظاره.
فمنذ تأسيسه، مثّل المخيم معضلة إنسانية وأمنية عابرة للحدود، يضم المخيم، الواقع في ريف الحسكة، نحو 37 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال المرتبطين بمقاتلي تنظيم داعش، إلى جانب أعداد من العراقيين ومواطنين أجانب ما تزال دولهم ترفض إعادتهم.
بحسب مصدر مسؤول في الإدارة الذاتية، فإن الاتفاق مع دمشق لا يتضمن تسليم إدارة المخيم بعد، بل يؤسس لآلية مشتركة لإجلاء المواطنين السوريين من قاطنيه.
الآلية الجديدة، بحسب مصادر مطلعة، تقوم على التنسيق الميداني لتسهيل نقل الأسر السورية إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة المركزية، بعدما كان الإجلاء محصورًا في مناطق الإدارة الكردية سابقًا.
التحول الأهم لا يكمن فقط في الجانب الإنساني، بل في البعد السياسي والاستراتيجي لهذا التفاهم.
فالمخيم طالما شكّل ورقة ضغط دولية، خاصة بعد التراجع الكبير لداعش ميدانيًا، وتحوّل ملف المقاتلين وعائلاتهم إلى عبء ثقيل على كاهل الإدارة الكردية التي بقيت لفترة طويلة دون اعتراف رسمي من دمشق.
*تحديات كبرى*
الاتفاق يأتي في ظل بيئة سياسية جديدة تتشكل منذ سقوط الرئيس بشار الأسد أواخر العام الماضي، إذ أدى صعود أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي، إلى تحريك المياه الراكدة، خاصة مع توقيعه في مارس الماضي اتفاقًا استراتيجيًا مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) – الجناح العسكري والسياسي الرئيسي للإدارة الذاتية.
يقضي الاتفاق بدمج قسد ضمن هيكلية الجيش السوري الجديد، وبسط سلطة الحكومة المركزية على المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط في شمال شرق البلاد، وهي المناطق التي تمثل الثقل الاقتصادي والعسكري للإدارة الكردية.
رغم رمزية هذا التفاهم، فإن تطبيقه على الأرض يواجه تحديات جمّة، فواشنطن، التي كانت الراعي الأبرز لقسد منذ معارك الرقة، ما تزال تمارس ضغوطًا لتسريع تنفيذ الاتفاق، خاصة ما يتعلق بتسليم إدارة السجون التي تضم نحو 9 آلاف معتقل يُشتبه بانتمائهم إلى داعش.
تخشى الإدارة الأميركية من أن أي فراغ أمني في هذه السجون قد يؤدي إلى إعادة إحياء الخلايا النائمة للتنظيم، أو حتى عمليات فرار جماعي كتلك التي حدثت سابقًا.
*الكابوس الأمني*
في هذا السياق، يبدو ملف مخيم الهول مدخلًا لإنعاش الثقة بين الطرفين الكردي والحكومي، وتمهيدًا لتقاسم تدريجي للسلطة، وليس مجرد عملية إنسانية.
فلطالما استخدمت دمشق ملف الهول في مفاوضاتها مع التحالف الدولي لتأكيد أنها ما تزال "العنوان الوحيد" القادر على إنهاء هذا الكابوس الأمني.
أما الإدارة الذاتية، فترى في هذا الاتفاق فرصة لإثبات قدرتها على التحول من كيان عسكري إلى شريك سياسي في مستقبل سوريا.
الشارع المحلي في مناطق شمال شرق سوريا منقسم، هناك من يرحب بخطوة إعادة النازحين، خاصة من فقدوا أقاربهم داخل المخيم أو من يرون في أي تقارب مع دمشق فرصة لوقف النزف المستمر.
في المقابل، يخشى آخرون من أن يكون الاتفاق مقدمة لإنهاء تجربة الإدارة الذاتية التي نشأت وسط فوضى الحرب.
من ناحية أخرى، ما تزال الدول الغربية ترفض استعادة مواطنيها من المخيم، رغم التحذيرات المتكررة من منظمات حقوق الإنسان حول سوء الأوضاع داخله، ما يعني أن الجزء الأكثر تعقيدًا من المخيم – أي ملف الأجانب – سيظل معلّقًا.