شبكات مموّهة.. كيف توظّف جماعة الإخوان المؤسسات المدنية لإعادة بناء نفوذها في الغرب؟

شبكات مموّهة.. كيف توظّف جماعة الإخوان المؤسسات المدنية لإعادة بناء نفوذها في الغرب؟

شبكات مموّهة.. كيف توظّف جماعة الإخوان المؤسسات المدنية لإعادة بناء نفوذها في الغرب؟
جماعة الإخوان

تشهد العواصم الغربية، من باريس إلى برلين وصولًا إلى واشنطن، حالة ترقّب متزايدة تجاه التحولات العميقة التي تمر بها بعض الجاليات العربية والمسلمة، في ظل سعي جماعات أيديولوجية – وعلى رأسها الإخوان – إلى إعادة رسم أدوارها داخل المجتمعات المفتوحة، فبينما تعمل الغالبية الساحقة من أبناء هذه الجاليات على الاندماج وتحقيق حضور إيجابي قائم على احترام القوانين والتنوع، تسعى مجموعات صغيرة لكنها مؤثرة إلى إعادة التموضع بطرق مستحدثة، متكئة على المؤسسات الدينية والمدنية التي تُتاح لها ضمن منظومة الحريات الغربية، التوتر لا ينبع من الدين بحد ذاته، بل من محاولات تحويل الهوية الدينية إلى مظلة سياسية ذات طابع انعزالي، تستغل شعور بعض الشباب بالغربة الاجتماعية أو التمييز، وفي ظل الضغوط التي تواجهها هذه الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، يبدو أنها تحاول إعادة تشكيل نفسها في بيئات أكثر انفتاحًا.

نقل النشاط التنظيمي


تتزايد المؤشرات على أن جماعة الإخوان وعددًا من التيارات الإسلامية والقومية المتشددة تعمل خلال السنوات الأخيرة على تطوير نموذج جديد من الحضور داخل الغرب، يقوم على استثمار أدوات المجتمع المدني أكثر من استخدام الخطاب الديني التقليدي، هذا التحول، وفق خبراء، ليس وليد اللحظة، بل نتيجة طبيعية للضغوط والملاحقات القانونية والسياسية التي واجهتها هذه التنظيمات في دول عربية عدة، ما دفعها إلى البحث عن فضاءات بديلة قادرة على احتضان مشاريعها الفكرية والتنظيمية.

في هذا السياق، كشف مصدر أن الإخوان يعملون على نقل جزء كبير من نشاطهم التنظيمي إلى فضاء المنظمات الحقوقية والبيئية"، مستغلين حالة التعاطف الواسعة التي تحظى بها هذه الملفات في المجتمعات الغربية.

وبحسب المصدر الذي أكد في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الجماعة تسعى إلى "تكوين شبكات ضغط غير مباشرة داخل المؤسسات المحلية، وتدريب كوادر شابة على العمل في البلديات والمجالس التعليمية"، بهدف بناء نفوذ طويل الأمد يصعب تتبعه أو ربطه بالتنظيم مباشرة.

كما تخطط – وفق حديثه – لإطلاق منصات إعلامية رقمية تستهدف الجيل الثاني والثالث من أبناء الجالية، بمواد تجمع بين الهوية الدينية والخطاب الحقوقي العصري، تمهيدًا لإعادة تجنيد قاعدة اجتماعية في الغرب.

جماعة الإخوان والحصار الغربي

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد المنجي، أن جماعة الإخوان طوّرت خلال العقد الأخير شبكة معقدة من الآليات التي تمكّنها من التملص من القيود الأمريكية والأوروبية، مستفيدة من خبرة طويلة في العمل داخل بيئات ضاغطة.

ويشير المنجي -في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، إلى أن الجماعة تعتمد أولًا على التكيّف التنظيمي، من خلال تفريغ مراكزها التقليدية وفتح واجهات بديلة في دول لا تفرض رقابة مشددة، خصوصًا في الشرق الأوروبي والبلقان وجنوب شرق آسيا، ويضيف أن هذه العملية تتم بطريقة متدرجة لا تُحدث ضجيجًا إعلاميًا، بحيث تبدو أنشطة الجماعة وكأنها مبادرات مجتمع مدني أو جمعيات خيرية.

ويؤكد المنجي، أن التمويل يمثل الركيزة الثانية في استراتيجية المراوغة؛ فبدلًا من الاعتماد على تحويلات مباشرة، تلجأ الجماعة إلى شبكات اقتصادية موازية داخل مجالات التجارة الإلكترونية، والاستثمارات الصغيرة، والتمويل اللامركزي، مستغلة الثغرات القانونية في دول الاتحاد الأوروبي، كما تعتمد على نظام "الدور" المالي داخل الجاليات، حيث توزّع الأموال عبر حلقات صغيرة يصعب متابعتها.

أما العنصر الثالث فيتمثل في إعادة تدوير الخطاب السياسي، إذ تعمل الجماعة على تقديم نفسها في الغرب كتيار إصلاحي مندمج في قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، محاولة خلق مسافة إعلامية بينها وبين الفروع الأكثر تشددًا.

 ويشدّد المنجي على أن الجماعة تنشط بكثافة في مساحات السوشيال ميديا لتلميع هذا الخطاب، مستفيدة من جيل جديد من الناشطين الذين يجيدون مخاطبة الرأي العام الغربي.

ويخلص المنجي إلى أن هذه الوسائل تجعل جهود الحصار أكثر تعقيدًا، ما يدفع الدول الغربية إلى البحث عن أدوات رقابية جديدة تتجاوز الأساليب القانونية التقليدية.