بين التهريب والكمائن.. خارطة إرهاب القاعدة تتغيّر في غرب إفريقيا
بين التهريب والكمائن.. خارطة إرهاب القاعدة تتغيّر في غرب إفريقيا

في خضم تحولات أمنية متسارعة، تتكشف ملامح تهديد جديدة في غرب إفريقيا، حيث بات تنظيم "نصرة الإسلام" الجناح الإقليمي لتنظيم القاعدة يعيد رسم خريطة التوترات عبر استراتيجية مزدوجة تقوم على الاختراق العسكري والتغلغل الاقتصادي، فبعد سنوات من تركّز الهجمات الإرهابية في وسط مالي وحدود بوركينا فاسو، تتجه الأنظار اليوم إلى منطقة "كاي" غرب مالي، التي تحولت إلى بؤرة ناشئة للعنف العابر للحدود، ومع تصاعد العمليات المسلحة وتنامي شبكات التهريب، يتزايد القلق من توسع رقعة التهديد لتشمل السنغال وموريتانيا، وهما دولتان ظلّتا حتى وقت قريب في منأى نسبي من النزاعات، ما يجري غرب مالي لم يعد مجرد صراع مسلح، بل مشروع إقليمي عابر للحدود يحمل ملامح "جهاد اقتصادي" يوظف الثغرات الاجتماعية والبنى الهشة لزرع نفوذ غير مرئي، كيف تحوّلت الحدود الغربية لمالي إلى واجهة جديدة للصراع، وما التداعيات المنتظرة على الجوار الإقليمي؟
*توسّع دائرة العنف*
لم تعد مناطق النزاع في الساحل الإفريقي محصورة في المثلث التقليدي الممتد بين وسط مالي وحدود النيجر وبوركينا فاسو، بل بدأت خريطة العنف تتّسع لتشمل غرب مالي، وبشكل خاص منطقة "كاي"، التي تشهد تصعيدًا نوعيًا في الهجمات المسلحة التي ينفذها تنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين"، الفرع الإقليمي للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وبحسب تقرير حديث صادر عن "معهد الدراسات الإفريقية في داكار"، فإن التنظيم الإرهابي ضاعف عملياته في "كاي" سبع مرات منذ عام 2021، متبعًا أسلوب الكمائن والعبوات الناسفة لاستهداف القوات المالية، كما حصل في منطقة ميلغي، حيث قُتل ثلاثة جنود في فبراير الماضي.
هذا التصعيد لا يبدو عشوائيًا، بل يرتبط بخطة منهجية تهدف إلى عزل العاصمة باماكو عن طريقها الاستراتيجي المؤدي إلى السنغال، وهو ما من شأنه أن يخنق العاصمة ماليًا ويضعف قدراتها اللوجستية.
*اختراقات اقتصادية*
من جانبه، قال الدكتور هشام النجار، الباحث في الشئون الجماعات المتطرفة: إن التنظيم لم يعد يكتفي بالعمليات العسكرية، بل بات يعتمد على اختراقات اقتصادية منظمة.
ويوضح النجار في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن هناك شبكات تهريب عابرة للحدود تشمل الماشية والخشب والفحم، يتم إدارتها من قبل خلايا تابعة للتنظيم، وتُستخدم كمصدر تمويل مستقر ووسيلة لبسط النفوذ في مجتمعات محلية فقيرة ومهمّشة.
وأضاف النجار، السنغال وموريتانيا، اللتان كانتا تُعدّان نسبيًا خارج دائرة الخطر، أصبحتا اليوم تحت مجهر التهديد، ليس فقط بسبب قربهما الجغرافي من منطقة "كاي"، بل بفعل توسع شبكات التهريب التي بدأت تتغلغل في أسواقهما الريفية.
وتابع، في مدن مثل "كولدا" و"ماتام" السنغالية، بدأت السلطات تلاحظ نشاطًا غير مألوف في حركة الماشية والمنتجات الخشبية القادمة من مالي، ما يثير الشبهات حول ارتباطات غير مباشرة مع الجماعات الإرهابية.
وأشار النجّار، أن التنظيم يتّبع تكتيك "الاندماج الصامت"، عبر تقديم خدمات اجتماعية وفرض ضرائب دينية، مستغلًا غياب الدولة في بعض المناطق، وهو أسلوب يتيح له تجنيد الشباب من الفئات المهمّشة، لا سيما العاطلين عن العمل والساخطين اجتماعيًا، الذين يشكلون تربة خصبة لتمدد الفكر المتطرف.
وعلى الرغم من عدم وجود قواعد ثابتة للتنظيم في الأراضي الموريتانية أو السنغالية حتى الآن، فإن التدفقات المالية الناتجة عن إعادة بيع الماشية المسروقة واستغلال الغابات تمكّنه من تثبيت موطئ قدم اقتصادي قد يتحوّل إلى نفوذ أمني لاحقًا.
ما يشير إليه التقرير كمخاطر مستقبلية، بدأ يترجم على الأرض كحالة "توتر خفي" تشعر به السلطات المحلية دون امتلاك أدوات ردع فعالة.
*جذور الأزمة*
في هذا السياق، أوصى التقرير بتكثيف التنسيق الاستخباراتي بين دول الساحل وغرب إفريقيا، وتعزيز وجود القوات الأمنية في المناطق الحدودية الحساسة.
كما دعا إلى العمل على معالجة جذور المشكلة، لا سيما الفقر والبطالة، اللذين يشكلان المغذي الأول لبيئة التطرف.
وفي الوقت الذي تبدو فيه القوى الدولية أقل اهتمامًا بما يحدث غرب مالي، يلوح في الأفق تهديد إقليمي عميق، إذ أن تمدد "القاعدة" في هذه البقعة قد يُعيد تشكيل ملامح التوازنات الأمنية في كامل منطقة غرب إفريقيا، من المحيط الأطلسي حتى قلب الساحل.