طفولة محاصرة بالنار.. كيف يدفع صغار اليمن ثمن حرب لا تنتهي؟

طفولة محاصرة بالنار.. كيف يدفع صغار اليمن ثمن حرب لا تنتهي؟

طفولة محاصرة بالنار.. كيف يدفع صغار اليمن ثمن حرب لا تنتهي؟
أطفال اليمن

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بيوم الطفولة، يطل المشهد اليمني بصورة مغايرة تمامًا، طفولة مبتورة تحاصرها الحرب، ومستقبل مُعلّق بين حقّ ضائع وأبواب أغلقتها الميليشيات، وعلى امتداد البلاد، يتحول المئات من الأطفال إلى أرقام في تقارير حقوقية تُوثّق معاناتهم، بينما تتكشّف فصول مأساة مستمرة منذ أكثر من عقد، لا يواجه أطفال اليمن خطرًا واحدًا، بل سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تتنوع بين القتل والتجنيد القسري، والحرمان من التعليم، وصولاً إلى مخاطر الألغام وسوء التغذية، وبرغم الجهود المبذولة من لجان وطنية ومنظمات دولية لتسليط الضوء على هذه المعاناة، فإن حجم المأساة يكشف عن واقع أكثر تعقيدًا مما تنقله الأرقام الباردة.

ضحايا القصف والتجنيد القسري


تتعدد فصول الانتهاكات التي يتعرض لها أطفال اليمن، لكن التقارير الأخيرة الصادرة عن اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب منظمات حقوقية متخصصة، تقدّم صورة متماسكة عن حجم الكارثة المستمرة منذ انقلاب الحوثيين عام 2014. 

ووفق البيانات الرسمية الموثقة، بلغ مجموع ضحايا الانتهاكات بحق الأطفال 5700 طفل خلال الفترة الممتدة من مطلع 2016 حتى أكتوبر 2025، أرقام مرعبة تكشف حجم استهداف الفئة الأكثر هشاشة في المجتمع اليمني.

تشير الأرقام إلى سقوط 3816 طفلًا بين قتيل وجريح، في حوادث ترتبط بشكل مباشر بالعمليات العسكرية أو الهجمات العشوائية التي طالت الأحياء السكنية. ويعدّ هذا الرقم دليلًا إضافيًا على أن الأطفال باتوا في صدارة ضحايا النزاع، رغم أن القوانين الدولية تمنحهم أعلى درجات الحماية.

إلى جانب القتل والإصابات، تتصدر ظاهرة تجنيد الأطفال قائمة الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها مليشيات الحوثي، حيث وثّقت اللجنة 1368 حالة تجنيد خلال الفترة ذاتها.

وتروي شهادات الأهالي والمنظمات المحلية، أن التجنيد غالبًا ما يتم عبر الضغط النفسي، أو استغلال الوضع الاقتصادي للأسر، أو عبر برامج تعليمية ذات طابع تعبوي تستهدف المدارس والمراكز التعليمية.

مراكز تعبئة


تعد الألغام التي زرعتها المليشيات في مناطق واسعة من اليمن أحد أخطر الأسباب التي رفعت معدلات الضحايا بين الأطفال. فقد تم تسجيل 708 حالات بين قتيل وجريح نتيجة انفجار ألغام وعبوات ناسفة مُخبأة في محيط المنازل والمزارع والطرقات، فضلاً عن 125 حالة قتل خارج إطار القانون، ما يكشف عن مستوى آخر من الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين.

تؤكد منظمة "ميون" لحقوق الإنسان، أن الحوثيين استخدموا 852 مدرسة كمراكز للتعبئة الأيديولوجية، ما أدى إلى حرمان آلاف الطلاب من بيئة تعليمية آمنة. وتُشير شهادات أولياء الأمور إلى أن المناهج تغيّرت بشكل يفرض رؤى سياسية وطائفية على الأطفال، في حين تزايدت حالات التسرب المدرسي نتيجة هذه الممارسات.

ووفقًا لبيانات المسح العنقودي متعدد الأغراض لعام 2024، فإن 3.7 مليون طفل في سن الدراسة محرومون من حقهم الأساسي في التعليم، هذا الرقم الضخم يعكس الجيل الذي يخسره اليمن تدريجيًا، فيما تتحول الفصول الدراسية إلى ساحات تجنيد أو أماكن سيطرة.

أطفال يموتون صامتين بسبب الجوع


في جانب آخر، تظهر مؤشرات انعدام الأمن الغذائي حجم أزمة سوء التغذية التي تضرب الأطفال اليمنيين. فالبلاد تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في معدلات سوء التغذية، حيث يعاني 49% من الأطفال دون سن الخامسة من التقزم، بينما يحتاج أكثر من 2.4 مليون طفل للعلاج من سوء التغذية، منهم 600 ألف في حالة حادة تهدد حياتهم مباشرة.

هذه الصورة القاتمة تعكس تدهور الوضع المعيشي وخروج مناطق عديدة عن القدرة على توفير الحد الأدنى من الغذاء، وبحسب تقارير المنظمات الإنسانية، فإن المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين تعاني من قيود مشددة على حركة الإغاثة، ما فاقم الأزمة الإنسانية وأضعف قدرة العائلات على حماية أطفالها.

خطط حكومية وجهود دولية


وسط هذا الظلام، رحبت منظمة "ميون" بإطلاق الحكومة اليمنية "الخطة الوطنية لحماية الطفولة 2026-2029" بالشراكة مع اليونيسف، معتبرة أنها خطوة ضرورية لتوفير حماية قانونية وإجرائية للأطفال. 

وتشمل الخطة برامج لإعادة تأهيل الأطفال المجندين، وتحسين آليات الرصد والتوثيق، إلى جانب العمل على منع استخدام المنشآت التعليمية لأغراض عسكرية.

لكن التحدي يبقى في تنفيذ هذه الخطط على أرض الواقع في ظل استمرار سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة، وغياب ضمانات لوقف الانتهاكات أو محاسبة مرتكبيها.