واشنطن تتحرك ضد الإخوان.. مسار معقّد لتصنيف التنظيم ككيان إرهابي عالمي
واشنطن تتحرك ضد الإخوان.. مسار معقّد لتصنيف التنظيم ككيان إرهابي عالمي

تقترب الولايات المتحدة من خطوة قد تعيد رسم المشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عبر مساعٍ لتصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي. هذه التحركات، التي كشف عنها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، تأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية داخل الكونغرس، حيث يقود السيناتور الجمهوري تيد كروز حملة تشريعية تهدف إلى سد ما يعتبره "ثغرة" في التعامل الأميركي مع الجماعات ذات البنية العالمية والفروع المتعددة، وفي ظل تعقيد العملية القانونية وضرورة جمع الأدلة القاطعة التي يمكنها الصمود أمام الطعون القضائية، يبدو أن واشنطن تضع نصب عينيها استراتيجية جديدة تقوم على استهداف الفروع النشطة للإخوان، بما فيها تلك المرتبطة بحركات مسلحة مثل حماس، وبينما يستعد البيت الأبيض ووزارة الخارجية لهذه الخطوة، يتصاعد الجدل حول انعكاساتها على التحالفات الإقليمية والسياسات الأميركية في الشرق الأوسط، لا سيما مع الحلفاء الذين تحتضن أراضيهم أنشطة أو قيادات من الجماعة.
عملية طويلة ومعقدة
كشف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في مقابلة إذاعية، أن بلاده "في طور" تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي، مؤكداً أن العملية جارية لكنها "طويلة ومعقدة"، وأوضح روبيو أن هذا المسار يتطلب مراجعة دقيقة لكل فرع من فروع الجماعة، وتوثيق الأدلة التي تثبت دعمها للإرهاب أو تورطها المباشر فيه، مشددًا على أن القرار المرتقب يجب أن يكون محصنًا ضد أي طعون قضائية قد تُقدّم.
هذه الخطوة تأتي في سياق أوسع من التحركات السياسية داخل الولايات المتحدة، حيث قدّم السيناتور الجمهوري تيد كروز الشهر الماضي مشروع قانون تحت اسم "قانون تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية لعام 2025".
المشروع، بحسب وثائق وزعها مكتب كروز، يتبنى ما وصف بـ"الاستراتيجية الحديثة" التي تركز على استهداف الفروع والكيانات التابعة للإخوان، بدلاً من محاولة حظر التنظيم ككل، في ظل غموض بنيته العالمية وتشعبه التنظيمي.
التداعيات القانونية
وبموجب التشريع المقترح، ستمنح وزارة الخارجية الأميركية صلاحيات موسعة لتصنيف هذه الفروع كجماعات إرهابية، على أن تُلزم الوزارة بإعداد قائمة شاملة بأسمائها خلال 90 يومًا من إقرار القانون.
كما يتيح القانون ثلاثة مسارات متكاملة للتصنيف: أولها إجراء من الكونغرس استنادًا إلى قانون مكافحة الإرهاب لعام 1987، ثم تصنيف رسمي من وزارة الخارجية كمنظمة إرهابية أجنبية، وأخيرًا إدراج الجماعة على قائمة الإرهاب العالمي.
التداعيات القانونية لهذا التصنيف ستكون واسعة، إذ سيُمنع المواطنون الأميركيون من إجراء أي تعاملات مالية أو تقديم خدمات لأي كيان مرتبط بالإخوان، كما ستُجمّد أصول هذه الكيانات داخل الولايات المتحدة.
وهذا بدوره قد يخلق تأثيرات اقتصادية وسياسية مباشرة على الجمعيات أو المؤسسات التي يُشتبه بارتباطها بالتنظيم، حتى إن كانت تعمل في أنشطة مدنية أو خيرية.
مظلة أيديولوجية لجماعات متطرفة
على الصعيد السياسي، يعكس تحرك واشنطن رغبة متزايدة لدى دوائر صنع القرار الأميركي في إعادة تقييم علاقتها بالجماعات الإسلامية ذات الحضور العابر للحدود.
فالإخوان، الذين تأسسوا في مصر عام 1928، تحولوا خلال عقود إلى شبكة عالمية بفروع رسمية وغير رسمية، تعمل في السياسة والمجتمع المدني، وأحيانًا في أنشطة مسلحة أو داعمة للمسلحين، كما في حالة حركة حماس في غزة.
لكن التحدي الأكبر أمام الإدارة الأميركية يتمثل في أن بعض فروع الإخوان تعمل بشكل قانوني داخل دول حليفة للولايات المتحدة، وتشارك أحيانًا في العملية السياسية الرسمية، ما قد يخلق توترات دبلوماسية مع تلك الحكومات إذا ما شملها القرار الأميركي.
من جهة أخرى، يرى مؤيدو التصنيف أنه ضرورة لحماية الأمن القومي الأميركي، باعتبار أن الإخوان يوفرون، بشكل مباشر أو غير مباشر، مظلة أيديولوجية أو لوجستية لجماعات متطرفة.
ويستند هؤلاء إلى تقارير استخباراتية ودراسات بحثية تشير إلى أن بعض الكوادر التي انخرطت في أعمال عنف مسلح حول العالم مرّت عبر قنوات أو أطر مرتبطة بالتنظيم.
أما معارضو الخطوة، فيحذرون من أن التصنيف قد يضر بمصالح واشنطن على المدى الطويل، خصوصًا في مناطق الصراع، حيث يشكل الإخوان جزءًا من المعادلة السياسية أو المجتمعية، ويخشى هؤلاء أن يؤدي ذلك إلى دفع الجماعة أو بعض فصائلها نحو مزيد من التطرف، أو إلى تقويض فرص الحوار مع قوى إسلامية معتدلة في المستقبل.
وبينما تتواصل المشاورات بين وزارة الخارجية والكونغرس، يبقى من غير الواضح إن كان القرار سيمر بسلاسة أم سيواجه معارك قانونية وسياسية، خاصة مع اختلاف أولويات بعض الأطراف داخل الإدارة الأميركية نفسها.
لكن المؤكد أن مجرد طرح الفكرة بهذا الشكل العلني يعكس تحوّلاً في المزاج السياسي الأميركي تجاه الإخوان، وقد يكون مقدمة لمرحلة جديدة من الصراع السياسي والأمني مع التنظيم وفروعه في مختلف أنحاء العالم.
من جانبه، يرى منير أديب، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، إن التحرك الأميركي لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي يمثل تحولاً استراتيجيًا في مقاربة واشنطن للتيارات الإسلامية العابرة للحدود.
ويوضح في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن هذا التوجه ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات أمنية وسياسية امتدت لسنوات، تراوحت بين اتهامات بدعم العنف، وتوفير بيئة أيديولوجية خصبة للجماعات المسلحة، وصولاً إلى ارتباطات تنظيمية مباشرة مع حركات مصنفة إرهابية مثل حماس.
وحذر أديب من أن تأخر الولايات المتحدة في تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي قد يمنح الجماعة مساحة أكبر لتعزيز نفوذها وتوسيع شبكاتها عالميًا، مضيفًا، أن الإخوان، بخبرتهم التنظيمية الممتدة لعقود، بارعون في استغلال الفجوات القانونية والسياسية لإعادة التموضع في بيئات مختلفة، مستفيدين من الغطاء السياسي أو الاجتماعي في بعض الدول.
وأشار أن الخطة الأميركية الجديدة، التي تركز على استهداف الفروع بدلاً من الهيكل العالمي، هي محاولة لتجنب التعقيدات القانونية والاعتراضات الدولية التي أحبطت جهودًا مشابهة في الماضي.
وتابع أديب، أن سرعة التحرك الأميركي لا تقل أهمية عن دقة الإجراءات، إذ أن الحسم المبكر قد يحد من قدرة التنظيم على المناورة أو كسب مزيد من الشرعية السياسية في بعض الدول.
ويختم بالقول: إن واشنطن إذا لم تترجم تصريحاتها إلى قرارات عاجلة، فإنها تخاطر بمواجهة تنظيم أكثر قوة وانتشارًا، ما سيجعل كلفة المواجهة الأمنية والسياسية أكبر بكثير مستقبلاً.