إسرائيل تضع اللمسات الأخيرة لاجتياح غزة.. والفلسطينيون يناقشون المصير في القاهرة
إسرائيل تضع اللمسات الأخيرة لاجتياح غزة.. والفلسطينيون يناقشون المصير في القاهرة

بين أروقة الفنادق وقاعات الاجتماعات في القاهرة، تدور حوارات مشحونة بالأمل والقلق، تجمع فصائل فلسطينية ومسؤولين مصريين في محاولة أخيرة لتنسيق المواقف وبلورة رؤية توقف نزيف الدم في غزة، هذه التحركات السياسية المكثفة تأتي بينما تدق طبول الحرب على الجانب الآخر من الحدود، حيث أقرّ الجيش الإسرائيلي خطته المحدثة لاجتياح القطاع، في إشارة واضحة إلى أن التصعيد قد يكون على بُعد أيام أو حتى ساعات، وبينما تواصل القاهرة نسج خيوط مبادرة مدعومة من قطر والولايات المتحدة، تتعالى أصوات التحذير الأممية من أن الكارثة الإنسانية في غزة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، مع انتشار المجاعة ونفاد الأدوية.
في ظل هذا المشهد المزدوج، تبدو غزة وكأنها تعيش بين المطرقة والسندان، فمن ناحية مساعٍ دبلوماسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومن ناحية أخرى تصعيد عسكري يهدد بابتلاع ما تبقى من مقومات الحياة.
*ضغوط عربية*
تشهد العاصمة المصرية، منذ صباح اليوم، جولة جديدة من المشاورات السياسية رفيعة المستوى، حيث تجتمع وفود فصائل فلسطينية لبحث مستقبل قطاع غزة في ظل استمرار الحرب منذ أكثر من 22 شهرًا.
وأفادت مصادر دبلوماسية، أن القاهرة ستعقد لقاءات منفصلة مع ممثلي حركة حماس والقيادة الفلسطينية، ضمن مساعٍ لتوحيد الصف الداخلي الفلسطيني قبل التوصل إلى أي اتفاقات سياسية أو أمنية.
تزامن ذلك مع تحركات مصرية على خطٍ موازٍ للتنسيق مع السعودية والإمارات والأردن، في محاولة لحشد موقف عربي موحد يضغط باتجاه وقف إطلاق النار وفتح مسار سياسي طويل الأمد.
ووفقًا لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، فإن بلاده تعمل بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة لإحياء مقترح هدنة مدتها 60 يومًا، يتضمن الإفراج المتبادل عن عدد من الرهائن الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين، إضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية والطبية بلا قيود أو شروط.
*احتلال غزة*
لكن على الجانب الآخر من المعادلة، كان الجيش الإسرائيلي يخطو خطوة حاسمة في مسار التصعيد. فقد أعلن المتحدث العسكري أن رئيس الأركان إيال زامير صادق على "الفكرة المركزية" لخطة اجتياح غزة، بعد اجتماع ضم كبار قادة الجيش وجهاز الشاباك ومسؤولين أمنيين آخرين، وتركز الخطة، بحسب البيان، على السيطرة الميدانية على مناطق استراتيجية، بدءًا من حي الزيتون جنوب شرق غزة، حيث شنت القوات الإسرائيلية عمليات مكثفة خلال الساعات الماضية.
المشهد الميداني على الأرض يزداد قتامة، فوفق مصادر الدفاع المدني الفلسطيني، استخدمت القوات الإسرائيلية قنابل شديدة الانفجار أدت إلى تدمير عدة منازل دفعة واحدة، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وفي حصيلة دامية، قُتل 25 شخصًا على الأقل اليوم أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية، حيث استهدفتهم النيران الإسرائيلية بالقرب من مواقع توزيع الإغاثة.
*تحذيرات أممية*
الأوضاع الإنسانية في غزة تصفها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بـ"الكارثية". فالمستشفيات تعاني من نفاد أكثر من نصف أصناف الأدوية الأساسية، فيما تدخل الإمدادات الطبية بكميات أقل بكثير من الاحتياجات الفعلية.
ويعيش القطاع تحت تهديد المجاعة، إذ تحذر تقارير أممية من أن مئات الآلاف على شفا الجوع القاتل، بينما تواصل إسرائيل فرض حصار خانق على تدفق الغذاء والماء والكهرباء.
على الصعيد السياسي الدولي، تتزايد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لوقف العمليات العسكرية، ليس فقط من القوى الغربية التي تخشى انفجار الوضع إقليميًا، بل أيضًا من حلفاء تقليديين باتوا يبدون انزعاجًا متناميًا من أسلوب إدارة الحرب.
فقد وصف رئيس وزراء نيوزيلندا نية ضم غزة بأنها "عمل مروع"، مضيفًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "فقد صوابه وتمادى كثيرًا".
ورغم أن الحكومة الأمنية الإسرائيلية لم تحدد موعدًا رسميًا لتنفيذ خطتها الجديدة، فإن تكثيف القصف الجوي والمدفعي في الأيام الأخيرة، خاصة في أحياء غزة الجنوبية ووسط خان يونس، يشير إلى أن التحرك العسكري قد يكون وشيكًا.
*فرض واقع ميداني*
من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن الجمع بين المشاورات الدبلوماسية في القاهرة والتصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة يعكس ما يسميه "إستراتيجية الميدان والسياسة" التي تتبناها تل أبيب منذ بداية الحرب.
ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن إسرائيل تحاول استغلال الوقت الذي تستغرقه المفاوضات لفرض واقع ميداني جديد، خصوصًا عبر السيطرة على مناطق إستراتيجية كحي الزيتون، تمهيدًا لمرحلة إعادة رسم الخارطة الأمنية للقطاع.
ويحذر فهمي من أن أي هدنة قصيرة الأمد، إذا لم تترافق مع ضمانات سياسية واضحة وإطار زمني ملزم، قد تتحول إلى مجرد استراحة محارب تسمح للطرفين بإعادة التموضع، دون معالجة جوهر الصراع.
ويضيف أن إسرائيل تدرك أن الضغوط الدولية الحالية قد تتزايد خلال الأسابيع المقبلة، ولذلك تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من الأهداف العسكرية قبل أن تُفرض عليها قيود دبلوماسية أو ميدانية.
كما يشير إلى أن القاهرة تواجه تحديًا مزدوجًا، الحفاظ على دورها كمحور رئيسي في الوساطة، وفي الوقت نفسه تجنب الانزلاق إلى معادلة إقليمية أكثر تعقيدًا إذا اتسع نطاق العمليات العسكرية، ويرى فهمي أن اللحظة الراهنة تتطلب حسمًا سريعًا في المسار السياسي، قبل أن يفرض الميدان كلمته الأخيرة.