البقاع يشتعل.. إسرائيل تفتح أخطر جبهاتها ضد حزب الله
البقاع يشتعل.. إسرائيل تفتح أخطر جبهاتها ضد حزب الله

في لحظة فارقة تعكس هشاشة التوازن القائم في المنطقة، صعّدت إسرائيل من هجماتها على البقاع اللبناني، لتشن أعنف غارات منذ اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقع في نوفمبر الماضي.
الضربات، التي استهدفت معسكرات تابعة لحزب الله في الهرمل الشرقي، أعادت إلى الواجهة ملف "السلاح غير الشرعي" وما يحمله من تداعيات داخلية وإقليمية، الحدث لم يقتصر على كونه تصعيدًا عسكريًا بحتًا، بل شكّل حلقة جديدة في لعبة الضغط السياسي والدبلوماسي، حيث تعالت الأصوات الأميركية مجددًا للحديث عن نزع سلاح حزب الله باعتباره مدخلًا لترتيبات أوسع في الشرق الأوسط، وبينما تحاول الحكومة اللبنانية التمسك بخطوط حمراء تحفظ الحد الأدنى من التوازن الداخلي، يجد حزب الله نفسه أمام اختبار حقيقي لقدرته على المناورة، في وقت يتزايد فيه الحديث عن تدخل أميركي مباشر لإدارة الملف.
المشهد الحالي يكشف عن مسار متذبذب، يتأرجح بين احتمال التصعيد العسكري وخيار التسوية المؤقتة.
غارات إسرائيلية غير مسبوقة
شهدت منطقة الهرمل الشرقي في البقاع اللبناني واحدة من أشرس الضربات الإسرائيلية منذ أعوام، حيث استهدفت الطائرات معسكرات تدريب تابعة لحزب الله، بما فيها مواقع مرتبطة بـ"قوة الرضوان".
وأسفرت الغارات عن سقوط خمسة قتلى وخمسة جرحى، ما اعتبره مراقبون رسالة مباشرة بأن إسرائيل مستعدة لاستخدام القوة إذا فشلت المساعي الدبلوماسية.
الرئيس اللبناني جوزيف عون أدان الضربات واعتبرها خرقًا واضحًا لاتفاق وقف الأعمال العدائية. في المقابل، لم يصدر عن الإدارة الأميركية أي موقف رسمي، وهو صمت يراه محللون انعكاسًا لسياسة الضغط غير المباشر على بيروت وحزب الله في آن واحد.
واشنطن تعود إلى الواجهة
الملف لم يبق محصورًا بين بيروت وتل أبيب، إذ أعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إحياء النقاش حول نزع سلاح حزب الله. فقد أطلق تصريحات توعّد فيها الحزب بـ"رد مرتقب" إذا لم يسلّم سلاحه، دون أن يحدد طبيعة هذا الرد أو توقيته.
هذه التصريحات أثارت تكهنات حول ما إذا كانت واشنطن بصدد فرض مهلة زمنية على الحكومة اللبنانية لحسم الملف، أم أن الضغوط ستظل في إطار سياسي وإعلامي.
تل أبيب، من جانبها، لم تتأخر في استثمار الموقف الأميركي، إذ طلبت دعمًا مباشرًا من إدارة ترامب لشن ضربات قاسية ضد الحزب، خصوصًا في الجنوب والبقاع، استنادًا إلى معلومات استخباراتية تفيد باحتفاظ الحزب بترسانة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة.
موقف لبناني معقّد
على المستوى الداخلي، يبدو الموقف اللبناني إزاء مسألة نزع السلاح غامضًا. الحكومة تحاول تجنب أي مواجهة مفتوحة مع حزب الله، لكنها في الوقت ذاته تخضع لضغوط أميركية ودولية متصاعدة.
الجيش اللبناني أعلن خطة لحصر السلاح جنوب نهر الليطاني، لكنه ربط التنفيذ بانسحاب القوات الإسرائيلية ووقف الاعتداءات المتكررة، وهو شرط يضع الخطة في مأزق عملي.
حزب الله رفض جميع العروض المتعلقة بتسليم السلاح أو تخزينه في مخازن الدولة، معتبرًا أن ذلك يعني إسقاط شرعية "سلاح المقاومة". كما حذر من أن أي خطوة كهذه ستجعل المخازن هدفًا مباشرًا للغارات الإسرائيلية.
البعد الدولي والضغط الأميركي
واشنطن لم تكتفِ بالتصريحات، إذ أعلنت استعدادها لقيادة لجنة مراقبة وقف إطلاق النار مجددًا. وقد أوفدت وفدًا عسكريًا رفيعًا بقيادة مورغان أورتاغوس لتقديم الدعم اللوجستي للجيش اللبناني، مع تحديد مهلة زمنية تنتهي في سبتمبر لمراقبة خطوات بيروت.
هذا التحرك الأميركي يعكس حرصًا على إبقاء لبنان ضمن دائرة السيطرة الإقليمية ومنع أي فوضى قد تنعكس على مصالح واشنطن وحلفائها. لكنه في المقابل، يزيد من تعقيد المشهد الداخلي اللبناني، حيث تُتهم الإدارة الأميركية بالضغط على الحكومة لإضعاف حزب الله من دون تقديم ضمانات فعلية لحماية البلاد من أي عدوان إسرائيلي.
من جانبه، يقول المحلل السياسي مصطفى علوش: إن إسرائيل تستخدم التصعيد العسكري لإرسال رسائل تحذيرية، عبر استهداف معسكرات تدريب تحاكي القرى الجنوبية.
وأضاف -في حديثه لـ"العرب مباشر"-، أن في المقابل، تعمل واشنطن على الضغط السياسي عبر تفعيل لجنة المراقبة وإشراك الجيش اللبناني في ترتيبات حساسة، ما يضع بيروت أمام تحدٍ مزدوج.
وتابع: التطورات الراهنة تنذر بمسار متذبذب، يتراوح بين تصعيد عسكري محدود ومفاوضات متقطعة، مضيفًا، أن الجميع يسعى لتفادي حرب شاملة، لكن الضغوط الإسرائيلية والأميركية قد تدفع الأوضاع نحو انفجار غير محسوب.