مشروع القبة الذهبية الأمريكية يثير غضب روسيا ويعيد شبح سباق التسلح.. ما القصة؟

مشروع القبة الذهبية الأمريكية يثير غضب روسيا ويعيد شبح سباق التسلح.. ما القصة؟

مشروع القبة الذهبية الأمريكية يثير غضب روسيا ويعيد شبح سباق التسلح.. ما القصة؟
ترامب

في تحول جذري نحو سباق تسلح فضائي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مشروع دفاعي جديد يحمل اسم "القبة الذهبية"، يهدف إلى تحصين الولايات المتحدة ضد التهديدات الصاروخية، حتى تلك التي قد تأتي من خارج الغلاف الجوي.

 المشروع، الذي وُصف بأنه الردع المطلق في زمن الصواريخ الذكية والحروب الفضائية، أثار عاصفة من ردود الفعل الدولية، لا سيما من موسكو وبكين، وسط مخاوف من إحياء سباق تسلح على غرار الحرب الباردة، ولكن هذه المرة بأبعاد فضائية، وبينما يرى مؤيدوه أن المشروع يمثل قفزة نوعية في أمن الولايات المتحدة، تعتبره روسيا تهديدًا مباشرًا للاستقرار الاستراتيجي العالمي. 

*مشروع "القبة الذهبية"


"القبة الذهبية" هي منظومة دفاع صاروخي متعددة الطبقات، أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في وقت يُعيد فيه تشكيل عقيدة الأمن القومي الأميركي.

بخلاف نظيرتها الإسرائيلية "القبة الحديدية" التي تعمل على مستوى تكتيكي لحماية المدن من الصواريخ القصيرة المدى، تتجاوز "القبة الذهبية" النطاق الأرضي، لتدمج قدرات فضائية متقدمة تشمل أقمارًا صناعية للرصد واعتراض التهديدات الباليستية في المراحل الأربع من رحلتها، بدءًا من مرحلة ما قبل الإطلاق.

وتهدف واشنطن من خلال هذا المشروع إلى خلق مظلة شاملة تحصّن التراب الأميركي من أي هجوم صاروخي محتمل، خصوصًا في ظل التهديدات المتزايدة من روسيا، الصين، وكوريا الشمالية.

كما تسعى الإدارة الأميركية إلى ترسيخ تفوقها في ميدان "الردع الاستباقي"، من خلال قدرتها على كشف وتدمير منصات العدو قبل استخدامها.

*روسيا.. تهديد لتوازن الردع وليس مجرد دفاع*


لم تنتظر موسكو طويلاً للرد على الإعلان الأميركي، حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أن مشروع "القبة الذهبية" الذي تعمل عليه الولايات المتحدة في مجال الدفاع الصاروخي يُمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الاستراتيجي العالمي، ويزيد من احتمالات سباق تسلح جديد.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في تصريح رسمي اليوم: إن "الخطط الأمريكية الرامية إلى تطوير بنية دفاعية صاروخية كونية تحت مسمى القبة الذهبية تضعف توازن الردع النووي وتُقوض مبدأ الأمن المتبادل"، معتبرة أن المشروع يصب في خانة عسكرة الفضاء وتوسيع الهيمنة الأمريكية على أنظمة الدفاع الاستراتيجي.

وأضافت زاخاروفا: أن روسيا تتابع بقلق هذه المشاريع التي تتجاهل مبدأ التوازن الدولي، وقد تكون لها تداعيات خطيرة على الأمن العالمي، بما في ذلك احتمال انهيار ما تبقى من منظومة الحد من التسلح.

وأكدت موسكو، أن المشروع الجديد يندرج ضمن سلسلة من " الإجراءات الأحادية" التي تتخذها واشنطن لتعزيز تفوقها العسكري، محذّرة من أنه قد يدفع دولًا أخرى، بما فيها روسيا، إلى اتخاذ تدابير مضادة "لحماية أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية".

*هل نحن أمام قبة حديدية عالمية أم درع فضائي هجومي؟*


رغم التشابه في التسمية مع "القبة الحديدية"، إلا أن "القبة الذهبية" ليست امتدادًا لها، بل نسخة أكثر تعقيدًا وذات طابع هجومي.

فبينما تكتفي "القبة الحديدية" بإسقاط الصواريخ فوق الأراضي الإسرائيلية، تستهدف "القبة الذهبية" إسقاط الصواريخ أينما وُجدت، وربما تدمير منصاتها حتى قبل الإطلاق.

وبحسب ما كشفه ترامب، فإن المشروع يعتمد على تقنيات هجينة بين الذكاء الاصطناعي، والأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض، وأسلحة الليزر، في إطار ما يمكن وصفه بـ"الدرع الفضائي الأميركي الأول".

*الصين تراقب.. والناتو يتردد*


أثار المشروع قلق الصين التي ترى فيه محاولة لمحاصرة قدرتها الصاروخية، وتدخلاً في توازن الردع الإقليمي في شرق آسيا.

بكين كانت قد عبّرت سابقًا عن مخاوف من عسكرة الفضاء، واعتبرت أن أي مشروع من هذا النوع سيقوّض محاولات الحفاظ على بيئة فضائية سلمية.

أما في أروقة الناتو، فثمة انقسام بين دول ترى في "القبة الذهبية" فرصة لتوسيع المظلة الدفاعية الغربية، ودول أخرى تخشى أن تؤدي الخطوة إلى استفزاز موسكو وتصعيد عسكري في أوروبا الشرقية.

*تصعيد أم تفاوض؟ سيناريوهات ما بعد الإعلان*


من جانبه، يقول د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن هناك عدة سيناريوهات محتملة للرد الروسي على المشروع الأمريكي، ويأتي الاحتمال الأول من خلال تصعيد تدريجي من قبل روسيا والصين، من خلال تسريع برامجهما الفضائية وتطوير منظومات مضادة للأقمار الاصطناعية.

وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، قد نشهد اختبارًا لتقنيات هجومية تستهدف تعطيل شبكة المراقبة الفضائية الأميركية، موضحًا أن الاحتمال الثاني هو فتح قنوات تفاوض جديدة على نمط معاهدات الحد من التسلح، كما حدث خلال الحرب الباردة، خصوصًا إذا ما رأت واشنطن أن السباق بات مكلفًا وغير مضمون النتائج.

*إشكاليات معقدة*


في السياق ذاته، يقول اللواء إبراهيم عثمان هلال الخبير الاستراتيجي، مشروع القبة الذهبية يعكس تحولاً كبيرًا في التفكير العسكري الأميركي، لكنه يطرح في الوقت ذاته إشكاليات معقدة تتعلق بالأمن الجماعي، لا فقط بالتفوق التكنولوجي. 
من وجهة نظر محايدة، فإن إدخال الفضاء بشكل علني وعملي في معادلات الدفاع والهجوم يمثل نقلة نوعية ستغيّر مفاهيم الردع التي استقرّت منذ نهاية الحرب الباردة.

وأضاف - في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، من الناحية التقنية، أي نظام يُبنى على أساس اعتراض الصواريخ في مراحلها المختلفة، خاصة من الفضاء، يتطلب بنية تحتية معقدة وميزانيات ضخمة، وهو ما قد يُفاقم فجوة القوة بين الدول الكبرى وبقية دول العالم.

كما أن الاعتماد المتزايد على الشركات الخاصة مثل "سبيس إكس" في تنفيذ هذه المهام الدفاعية الحساسة يفتح تساؤلات حول الرقابة والمساءلة وأمن القرار العسكري.

وتابع: على الجانب الآخر، المشروع قد يُسهم في تطوير تقنيات مزدوجة الاستخدام، مثل الذكاء الاصطناعي والاستشعار الفضائي، ما قد ينعكس على القطاعات المدنية إيجابًا.

 التحدي الحقيقي هو كيف يمكن ضبط هذا التقدم تكنولوجيًا في إطار قانوني دولي يضمن ألا يتحوّل الفضاء إلى ساحة صراع مفتوحة، بل إلى مجال للتعاون كما كان مأمولًا.