منابر القضاء تحرج النهضة.. هل تنهار شبكة النفوذ المالي؟

منابر القضاء تحرج النهضة.. هل تنهار شبكة النفوذ المالي؟

منابر القضاء تحرج النهضة.. هل تنهار شبكة النفوذ المالي؟
حركة النهضة

أصدرت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الفساد المالي بالمحكمة الابتدائية في تونس، حكمًا قضائيًا بالسجن 6 سنوات مع النفاذ العاجل ضد وزير أملاك الدولة الأسبق سليم بن حميدان، المحسوب على حركة النهضة الإخوانية، في قضية فساد تتعلق بالبنك الفرنسي التونسي. 

كذلك قضت المحكمة بالسجن بنفس المدة على رجل الأعمال عبد المجيد بودن، فيما أدينت مستشارة سابقة بالوزارة بثلاث سنوات حبسًا.

اللافت، أن المتهمين الثلاثة محالون في حالة فرار، ما يفتح الباب أمام إصدار مذكرات جلب دولية، ويضع علامات استفهام حول شبكات الدعم أو الحماية التي ما زالت تمنح غطاءً لرموز سياسية من العهد الذي تلا ثورة 2011.

من رموز "التمكين" إلى دائرة الاتهام

وينتمي سليم بن حميدان إلى دائرة الشخصيات التي برزت سريعًا بعد الثورة، مستفيدة من تقاطعها السياسي مع حركة النهضة، فعلى الرغم من تاريخه المعارض في المهجر، صعد بن حميدان إلى مناصب عليا عقب انتخابات 2011، حيث تولى حقيبة أملاك الدولة في حكومة الترويكا.

ارتباطه العائلي بمحمد بن سالم، القيادي البارز في حركة النهضة، يؤكد ما سبق أن وصف بمنطق "التمكين العائلي والسياسي"، وهي آلية اتّهمت النهضة باستخدامها لإعادة تشكيل أجهزة الدولة وفق ولاءاتها السياسية، وتغلغلها في مفاصل الإدارة العمومية.

إجراءات ما بعد يوليو 2021 تغيّر المعادلة

الحكم على بن حميدان ليس معزولًا، بل يأتي ضمن مسار متصاعد من المحاسبات التي انطلقت منذ الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، والتي جرى بموجبها تجميد البرلمان، وإقالة الحكومة، وفتح ملفات فساد ظلت مجمدة لسنوات.

ووفق متابعين، فإن هذا الحكم يفتح الباب أمام ملفات أخرى من العهد الإخواني، تتعلق بالاستيلاء على المال العام، وتبييض الأموال، والتوظيف السياسي للمؤسسات السيادية. ويبدو أن القضاء بدأ يأخذ مساحة أوسع من الاستقلالية والجدية في مقاربة هذه الملفات، خاصة في ظل التغيرات السياسية الجذرية التي طرأت في البلاد.

سقوط الأقنعة المالية

قضية البنك الفرنسي التونسي تعيد إلى الواجهة الاتهامات القديمة الموجهة إلى النهضة وشبكاتها المالية، خاصة ما يتعلق بتحويل المؤسسات العمومية إلى أدوات لخدمة مصالح حزبية ضيقة.

وتشير مصادر قانونية، أن الملف يتضمن خروقات إدارية وتجاوزات في التصرف في الأملاك المصادرة بعد الثورة، وتسهيلات غير قانونية لمستثمرين مقربين من النهضة، إلى جانب تسويات مالية مشبوهة أدت إلى خسائر كبيرة للدولة التونسية.

ملفات الإرهاب والتسفير تلاحق الجماعة


يتزامن هذا التطور مع تحرك قضائي في ملفات أخرى تخص حركة النهضة، أبرزها قضية تسفير الشباب إلى بؤر التوتر في سوريا وليبيا، وهي القضية التي طالت قيادات بارزة داخل الحركة، بعضها تم التحقيق معه وبعضها الآخر لا يزال في دائرة الاتهام.

ويقول الباحث السياسي التونسي، حازم القصوري، إن الحكم ضد بن حميدان يعد يمثل نقطة تحول في تعامل القضاء مع رموز منظومة الإخوان الإرهابية، وإن منسوب الحصانة السياسية بدأ يتآكل، ولسنوات، استفادت شخصيات محسوبة على حركة النهضة من حالة الفوضى التي أعقبت الثورة ومن ضعف المنظومة القضائية، لكن اليوم، نحن أمام إرادة واضحة لإغلاق ملفات ظلت مفتوحة عن عمد.

ويضيف القصوري - في تصريحات خاصة للعرب مباشر-، إن الحكم يضرب واحدة من أهم شبكات النفوذ المالي المرتبطة بالنهضة، ويفتح المجال أمام مراجعة ملفات مماثلة تخص وزارات ومؤسسات حيوية، والبنك الفرنسي التونسي كان ملفًا شائكًا ومثيرًا للجدل منذ سنوات، مشيرًا أن تورط وزير أملاك الدولة السابق في تسهيلات مالية غير قانونية يعكس كيف كانت الدولة تدار بمنطق الولاءات لا القوانين.