سوريا وغزة تتصدران القمة العربية الـ34 في بغداد
سوريا وغزة تتصدران القمة العربية الـ34 في بغداد

انطلقت صباح السبت، في العاصمة العراقية بغداد، أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين، بحضور عدد من القادة والزعماء العرب، في وقتٍ تشهد فيه المنطقة تصعيدًا غير مسبوق في الأزمات، وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والأوضاع المعقدة في سوريا ولبنان.
وتتوزع أولويات القمة بين ملفات محورية أبرزها: وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، وتثبيت الإجماع العربي على قيام دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب دعم استقرار الدول التي تعاني من أزمات مزمنة مثل سوريا ولبنان واليمن والسودان، ومناقشة آليات تعزيز العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الإقليمية والتدخلات الخارجية.
ويحضر القمة قادة عرب بارزون، إلى جانب مشاركة وزراء الخارجية وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، وسط تطلعات باستعادة الدور العربي الفاعل في الأزمات الإقليمية، وتأكيد مركزية القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، تحدث عدد من المحللين العرب لـ"العرب المباشر" عن أبرز الملفات المنتظر أن تناقشها القمة، وتطلعات شعوبهم من هذا الاجتماع المهم.
قمة مفصلية لدعم لبنان وسيادته
قال الباحث السياسي اللبناني جورج الشاهين: إن اللبنانيين ينتظرون من القمة مواقف واضحة لدعم سيادة الدولة ومواجهة الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، خصوصًا في الجنوب اللبناني.
وأوضح الشاهين -في تصريحات للعرب مباشر-، أن أبرز الأولويات اللبنانية تتمثل في الضغط العربي على المجتمع الدولي لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة، وتقديم دعم تنموي لإعادة إعمار المناطق المتضررة، دون ربط ذلك بشروط سياسية تتعلق بسلاح "حزب الله"، مشددًا على أن هذه القضية يجب أن تُحل عبر حوار داخلي لبناني لا عبر إملاءات خارجية.
كما دعا "الشاهين" إلى دعم الجيش اللبناني ليكون القوة الشرعية الوحيدة، عبر تسليحه وتأهيله، معتبرًا أن وحدة السلاح تحت مظلة الدولة لا يمكن تحقيقها في ظل جيش يعاني من نقص القدرات.
وأكد أن استقرار لبنان هو مكسب عربي، داعيًا إلى تمكين الدولة اللبنانية من استعادة عافيتها على أساس اتفاق الطائف والدستور، بالتوازي مع إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
غزة تختنق والقمة مطالَبة بموقف حاسم
من جانبه، قال الباحث السياسي الفلسطيني دكتور يحيي قاعود: إن انعقاد القمة يأتي في لحظة تاريخية فارقة، حيث يواجه الشعب الفلسطيني في غزة عدوانًا مستمرًا منذ شهور طويلة، خلف دمارًا إنسانيًا غير مسبوق.
وأضاف قاعود - في تصريحات لـ"العرب المباشر"-، أن الشعوب العربية تنتظر من القمة موقفًا حاسمًا تجاه جرائم الحرب الإسرائيلية، وتوفير دعم سياسي ومالي عاجل للفلسطينيين، مع التأكيد على التمسك بحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وأشار أن انعقاد القمة بالتزامن مع ذكرى النكبة، يجب أن يكون دافعًا لتعزيز التضامن العربي، ورفض التطبيع غير المشروط، والضغط من أجل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة دون قيود أو مماطلة.
بغداد تعود إلى الواجهة من بوابة التضامن العربي
بدوره، اعتبر المحلل السياسي العراقي سليم الدليمي، أن احتضان بغداد للقمة يعكس استعادة العراق لموقعه العربي بعد سنوات من الغياب، مشيرًا أن شعار القمة "حوار، تضامن، تنمية" يُعبّر عن طموح عربي يتجاوز الشعارات إلى الأفعال.
ولفت، أن ملف غزة سيكون حاضرًا بقوة، خاصة مع التصعيد الميداني الأخير، إلى جانب الملف السوري الذي عاد للواجهة مع عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وما يتطلبه ذلك من رؤية عربية موحدة لدعم الشعب السوري وإعادة الإعمار.
وأضاف - في تصريحات للعرب مباشر-، أن القمة ستناقش أيضًا الأزمة اللبنانية، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان، داعيًا إلى تقديم دعم مباشر للدولة اللبنانية لتعزيز مؤسساتها وقدرتها على فرض السيادة.
وشدد الدليمي على أهمية التعاون الاقتصادي والتكامل العربي، مشيرًا أن العراق يمتلك موقعًا استراتيجيًا يؤهله للعب دور محوري في مشاريع الربط الإقليمي والتنمية المستدامة.
قمة على مفترق طرق
وفي قراءة تحليلية للمشهد، قال أستاذ العلاقات الدولية دكتور طارق فهمي: إن قمة بغداد تمثل مفترق طرق حقيقي للعمل العربي المشترك، مشيرًا أن نجاحها من عدمه سيكون له تأثير مباشر على مسار الجامعة العربية في المرحلة المقبلة.
وأوضح فهمي - في تصريحات للعرب مباشر-، أن ضعف التمثيل العربي في بعض الملفات الحساسة يُثير القلق، خاصة مع غياب عدد من القادة، لكنه أعرب عن أمله في أن تعوض ذلك قرارات جريئة تعكس نبض الشارع العربي، في ملفات اليمن، وسوريا، والسودان، والخليج، والبحر الأحمر.
وأضاف، أن القمة ستناقش أيضًا التحديات المتعلقة بإعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، بعد فك العزلة الدبلوماسية ورفع بعض العقوبات الغربية، معتبرًا أن دمشق ستكون ملفًا رئيسيًا على الطاولة، سواء من زاوية إعادة الإعمار أو الموقف من التدخلات الخارجية.
عودة سوريا إلى الجامعة العربية خطوة ضرورية لإعادة التوازن الإقليمي
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي السوري أصف ملحم: إن انعقاد القمة العربية في بغداد وعودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية يمثلان خطوة محورية لإعادة التوازن إلى العمل العربي المشترك، لا سيما بعد سنوات من التغييب السياسي الذي انعكس سلبًا على حضور دمشق في الملفات الإقليمية.
وأوضح ملحم -في تصريحاته لـ«العرب المباشر»-، أن الشعب السوري يتطلع إلى أن تكون العودة العربية بداية لمسار دعم حقيقي لعملية التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، بعيدًا عن الشروط السياسية المسبقة أو الاصطفافات الدولية، مؤكدًا أن الحوار العربي– العربي هو السبيل الوحيد لضمان استقرار المنطقة وإنهاء الأزمات المتراكمة.
وشدد على ضرورة أن تتضمن مخرجات القمة العربية رسالة واضحة للمجتمع الدولي برفض استمرار العقوبات المفروضة على سوريا، خاصة تلك التي تعرقل جهود الإغاثة الإنسانية وتضر بالمواطن السوري بشكل مباشر، لافتًا أن ملف اللاجئين السوريين كذلك يجب أن يُناقش من منطلق إنساني وتنموي، مع ضرورة التنسيق مع الدولة السورية في أي خطة للعودة الآمنة.
وختم ملحم بالقول: إن استعادة سوريا لموقعها الطبيعي ضمن البيت العربي من شأنه أن يسهم في حلحلة عدد من الأزمات الإقليمية، خاصة في ملفات الأمن الحدودي، ومكافحة الإرهاب، وتدفق اللاجئين، معتبرًا أن القمة في بغداد تمثل اختبارًا حقيقيًا للنيات العربية في طي صفحة الانقسام، والانطلاق نحو شراكة استراتيجية قائمة على الاحترام المتبادل وسيادة الدول.