مواشي غائبة وجيوب خاوية.. كيف خطفت الحرب عيد السودان؟

مواشي غائبة وجيوب خاوية.. كيف خطفت الحرب عيد السودان؟

مواشي غائبة وجيوب خاوية.. كيف خطفت الحرب عيد السودان؟
الحرب السودانية

في السودان، حيث يقترب عيد الأضحى على وقع الرصاص لا التكبيرات، يُطل العيد كذكرى قديمة أكثر من كونه مناسبة قادمة، وبينما يستعد العالم الإسلامي للاحتفال، يعيش ملايين السودانيين في دوامة الفقد والنزوح، محاطين بأزمات معيشية خانقة، وحرب طاحنة لم تترك مجالاً للفرح أو حتى للتنفس، لا صخب الأسواق، ولا رائحة الشواء، ولا زينة الأطفال تلوح في الأفق، أسعار المواشي أصبحت ترفًا لا يقدر عليه حتى أصحاب الدخل المستقر، فكيف بمن فقد كل شيء؟ تصاعد القتال، وانهيار الجنيه السوداني، واتهامات خطيرة باستخدام أسلحة محرمة، رسمت مشهدًا سوداويًا لعيد يُفترض أن يحمل الفرح، ومع أكثر من عشرة ملايين نازح، يعيش ربع سكان السودان على هامش الوطن، في خيام من الألم، بانتظار تحويلات مالية من الخارج قد تسمح بذبح خروف أو على الأقل شراء وجبة مشرفة.

*حلمًا مؤجلًا*


بينما تستعد الدول الإسلامية للاحتفال بعيد الأضحى، يقف السودان على أطراف العيد لا داخله، فالمعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عام أفرغت البلاد من مظاهر الفرح، وفرضت واقعًا اقتصاديًا قاسيًا، جعل من الأضاحي حلمًا مؤجلاً لدى ملايين الأسر.

في أسواق ولايات مثل: القضارف وسنار ونهر النيل والبحر الأحمر، سجّلت أسعار المواشي ارتفاعات غير مسبوقة خلال شهر مايو الماضي. 

هذا الارتفاع ترافق مع انهيار حاد للجنيه السوداني، الذي بلغ سعر صرفه في السوق الموازي حوالي 3000 جنيه للدولار الواحد. 

*عقوبات جديدة*


وجاءت الضربة القاسية بعدما أعلنت الولايات المتحدة عزمها فرض عقوبات على الجيش السوداني، عقب تقارير عن استخدامه أسلحة كيميائية في النزاع الدامي.

وقالت المتحدثة باسم الوزارة، تامي بروس، في بيان: إن العقوبات ستتضمن قيودًا على الصادرات الأمريكية وخطوط الائتمان الحكومية الأمريكية، وستدخل حيز التنفيذ في 6 يونيو المقبل تقريبًا عند الإعلان الرسمي عنها، وبعد إخطار الكونغرس، ومع التراجع المتسارع للعملة، لم يعد السودانيون يملكون القدرة على شراء الضروريات، فضلًا عن الإنفاق على الأضاحي.

وفق إفادات تجار لوسائل إعلام محلية، فإن أسواق العملات الأجنبية شهدت "توقفًا جزئيًا" في التعامل، مع حالة من الترقب والقلق بين المواطنين.

كل ذلك يحدث في ظل استمرار النزوح الجماعي، حيث أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن عدد النازحين داخليًا تخطى حاجز 10 ملايين شخص، إلى جانب أكثر من مليوني لاجئ في الخارج.

في مدن مثل الدندر وكسلا، يقول مواطنون: إنهم عاجزون عن إقامة شعائر دينية واجتماعية، كالعقيقة أو حتى زيارة الأقارب، بسبب النزوح وفقدان مصادر الدخل.

*تعطل الحركة التجارية*


ويُرجع مربّو المواشي في ولايات الإنتاج مثل: كردفان ودارفور، الارتفاع الجنوني للأسعار إلى انعدام الأمن الذي حال دون وصول الإمدادات إلى الأسواق. 

وقال تاجر في ولاية البحر الأحمر: إن غياب المواشي من مناطق البطانة وكردفان ودارفور فاقم الأزمة، وأضاف: أن الأعلاف والأدوية البيطرية باتت تُباع بأسعار خيالية.

ورغم أن ولايات القضارف وسنار تُعد من مناطق الإنتاج التقليدية، إلا أن الأسعار فيها لا تختلف كثيرًا عن غيرها، في ظل تعطل الحركة التجارية وتوقف مصادر العمل. 

وهكذا، تُفاقم الحرب الأزمة الاجتماعية، فالعيد الذي كان مناسبة لالتئام العائلات، تحوّل إلى مرآة تعكس التمزق الوطني، ومعاناة الأطفال الذين بات العيد عندهم حكاية من الماضي.

*كارثة إنسانية*


تقول إيمي بوب، المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة: "تخيل مدينة بحجم لندن يتم تهجيرها.. هذا هو حال السودان اليوم"، وأضافت أن التهديد لا يقتصر على الرصاص فقط، بل يشمل الجوع والمرض والعنف العرقي، والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

 وأشارت أن المنظمة لم تحصل سوى على أقل من 20% من التمويل المطلوب للاستجابة الإنسانية العاجلة في البلاد.

الوضع في السودان لا يُنذر فقط بكارثة إنسانية بل بمجاعة تلوح في الأفق، إذا ما استمرت الحرب، وظل المجتمع الدولي عاجزًا عن التدخل الفعال.

فالمدارس التي كانت منارات تعليم تحوّلت إلى ملاجئ، والمستشفيات باتت عاجزة عن استقبال المرضى، والأسواق تعاني من الشلل، والناس باتوا يبحثون عن الخلاص في التحويلات المالية من أقاربهم في المهجر.

في هذا العيد، لم تعد الأضحية رمزًا للفداء، بل ترفًا مؤلمًا في بلد تتصاعد فيه نداءات الاستغاثة وسط صمت العالم.