بلديات الجنوب.. فوز كاسح لـ الثنائي وسط خروقات عائلية تُربك الحسابات
بلديات الجنوب.. فوز كاسح لـ الثنائي وسط خروقات عائلية تُربك الحسابات

في مشهد لم يحمل مفاجآت كبيرة، أكدت نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في جنوب لبنان، أن الخريطة السياسية في هذه البقعة من البلاد ما تزال مرهونة بقبضة "الثنائي الشيعي"، حركة "أمل" و"حزب الله"، ومع أن الأجواء التي سبقت الاستحقاق كانت توحي بإمكانية حدوث خروقات في بعض المناطق، إلا أن حجم التعبئة السياسية والتنظيمية التي رافقت العملية الانتخابية حسمت معظم المعارك سلفًا، سواء عبر التزكية أو الانتصارات المريحة.
لكن في زوايا الخريطة، لاحت إشارات خجولة لتململ داخلي لم يخلُ من دلالات رمزية، خصوصًا في بلدات مثل: الزرارية وشوكين.
أما في مدينة جزين ذات الغالبية المسيحية، فقد احتدمت المنافسة على طريقتها بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"؛ مما أفرز نتائج متباينة تُعيد رسم الخطوط بين مفاعيل البلدي والنيابي.
بين الثابت والمتحوّل، بدت الانتخابات البلدية في الجنوب بمثابة "استفتاء شعبي" جديد أعاد تثبيت توازن القوى التقليدي، مع فتح الباب أمام قراءة سياسية لما هو قادم.
*سيطرة تنظيمية*
لم تكن الانتخابات البلدية والاختيارية في جنوب لبنان سوى تجسيد ميداني لحقيقة سياسية ثابتة: "الثنائي الشيعي" ما يزال الممثل الأول، وربما الوحيد، للشارع الشيعي في هذه المنطقة.
منذ الأيام الأولى للاستعدادات الانتخابية، دفعت حركة "أمل" و"حزب الله" بكل ثقلهما الشعبي والتنظيمي لضمان انتصارات مريحة، مستندين إلى قاعدة جماهيرية راسخة، وديناميات اجتماعية وسياسية متشابكة، تعززت بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي خلّفت جراحًا مفتوحة في القرى الجنوبية.
في كثير من البلدات، لم يُترك مجال للمنافسة، 127 بلدية حُسمت بالتزكية، وهو رقم يعكس ليس فقط حجم السيطرة التنظيمية، بل أيضًا نجاح القيادات المحلية في عقد تفاهمات داخلية تمنع تفجر الصراع بين العائلات أو القوى المعارضة.
ووفق مصادر قريبة من حركة "أمل"، فقد لعب رئيس مجلس النواب نبيه بري دورًا محوريًا في تهدئة الساحة الانتخابية، من خلال رعاية اتفاقات محلية ضمنت هدوء المعركة في عدد كبير من البلدات، بما فيها تسع بلدات مسيحية.
*دلالات استراتيجية*
لكنّ هذا الاستحقاق، برغم بساطته الظاهرة، حمل بين طياته دلالات استراتيجية مهمة، لا سيما في توقيته، فبعد حرب مدمّرة في الجنوب، ووسط ظروف معيشية ضاغطة، جاءت الانتخابات كـ"استفتاء سياسي" على ثقة الناس بـ"الثنائي".
المحلل السياسي مصطفى علوش رأى، أن ما جرى يكرّس الارتباط الشعبي بين الغالبية الشيعية و"أمل" و"حزب الله"، محذرًا من أن أي تغيير في هذا الواقع يحتاج إلى تبدّل كبير، سواء عبر إعادة إعمار حقيقية للمناطق المتضررة بدعم عربي، أو عبر تحولات سياسية مفصلية كتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل.
في مدن كبرى مثل: صور والنبطية، عززت النتائج هذا الانطباع، ففي صور، فازت لائحة "التنمية والوفاء" بفارق نحو 6 آلاف صوت، بينما كان الفارق في النبطية 4 آلاف صوت، في مشهد يعيد إلى الأذهان نتائج مدينة بعلبك قبل أيام، حيث تجاوز الفارق 6 آلاف صوت أيضًا.
*اختراقات محدودة*
ومع ذلك، لم تخلُ الخريطة من بعض المفاجآت، ففي بلدة الزرارية – إحدى أبرز البلدات الشيعية في قضاء الزهراني – نجحت لائحة معارضة عائلية في انتزاع 9 مقاعد من أصل 15، موجهة رسالة احتجاجية رمزية إلى "الثنائي".
وفي بلدتي حبوش وشوكين، سجّلت اللوائح المنافسة اختراقًا بمقعد واحد في كل منهما. هذه الخروقات، وإن كانت محدودة، تعكس تململاً صامتًا في بعض الأوساط، قد يتسع أو ينحسر بحسب مجريات المرحلة المقبلة، خصوصًا في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية.
المثير للاهتمام أن هذا الالتفاف الشعبي حول "الثنائي" يأتي رغم الانتقادات المتزايدة داخل البيئة الشيعية لدورهما في الحرب الأخيرة، وتبعاتها الكارثية.
لكن الحاجة إلى "الأمان الاجتماعي"، بحسب ما يلفت إليه علوش، دفعت كثيرين إلى تجديد البيعة، خصوصًا في ظل الخدمات المباشرة التي يقدمها "حزب الله"، كبدلات الإيجار والتعويضات، والتي تجاوزت قيمتها المليار دولار.
*القوات اللبنانية لم تفقد نفوذها*
بعيدًا من الجنوب، شهدت مدينة جزين مواجهة من نوع مختلف، في هذه المنطقة ذات الخصوصية المسيحية، فاز "التيار الوطني الحر" بكامل المقاعد البلدية، معتمدًا على تحالف انتخابي مع النائب السابق إبراهيم عازار، الذي يحظى بشعبية محلية واسعة.
المفارقة أن "القوات اللبنانية"، التي كانت قد انتزعت المقعدين المسيحيين في القضاء في الانتخابات النيابية الأخيرة، لم تتمكن من ترجمة هذا الفوز في انتخابات المدينة.
لكن رئيس جهاز الإعلام في "القوات"، شارل جبور، أوضح أن تفوق "التيار" في المدينة لا يعكس بالضرورة تراجعًا في نفوذ "القوات" على مستوى القضاء، حيث تمكنت الأخيرة من الفوز بـ16 بلدية من أصل 30، ما يرجح – بحسبه – أن تؤول رئاسة اتحاد البلديات إلى "القوات اللبنانية".
"جبور" أشار أيضًا أن تقدم "القوات" في جزين النيابية تحقق بفضل تحالفات مع قوى إسلامية، لا سيما في مدينة صيدا، فيما تزال الغالبية المسيحية في جزين تميل إلى "التيار"، حسب تعبيره.
بالمجمل، أفرزت الانتخابات البلدية خارطةً تُكرّس النفوذ التقليدي، لكنها لم تُغلق الباب على ملامح تحوّل في بعض المناطق.
وبين استفتاء شعبي لـ"الثنائي" في الجنوب، ومنافسة متجددة بين "القوات" و"التيار" في جزين، يبقى المشهد البلدي مرآة دقيقة لمزاج سياسي واجتماعي يتغيّر ببطء، لكنه ما يزال يخضع لعوامل أكبر من صناديق الاقتراع وحدها.