تعيين نساء كأئمة جوامع في العراق.. كسر للمحظورات أم ستار للفساد؟

تعيين نساء كأئمة جوامع في العراق.. كسر للمحظورات أم ستار للفساد؟

تعيين نساء كأئمة جوامع في العراق.. كسر للمحظورات أم ستار للفساد؟
تعيين النساء أئمة

أثار تعيين أكثر من خمسين امرأة في العراق بمنصب إمام مسجد موجة واسعة من الجدل، تجاوزت حدود النقاش الديني لتدخل في صلب الاتهامات بالفساد وسوء استخدام السلطة الوظيفية. 

القرار الذي نسب إلى محافظة نينوى، أثار استغراب كثيرين في بلد لم يعرف في تاريخه الديني أن تتولى النساء منصب الإمامة، لا سيما في الجوامع المخصصة لصلاة الجماعة والجمعة.

تجاوز صريحًا للثوابت الدينية والاجتماعية 

المعارضون للقرار رأوا فيه تجاوزًا صريحًا للثوابت الدينية والاجتماعية، مؤكدين أن الإمامة وفق الأعراف الإسلامية وظيفة ذكورية مرتبطة بأداء الصلوات الجماعية والقيادة الدينية للمصلين. 

ويعتبر كثير من رجال الدين هذا التعيين ضربا لقواعد العبادة الراسخة، ورفضًا لما وصفوه بمحاولة "تأنيث المنبر" دون مرجعية شرعية واضحة.

ومن ناحية أخرى، دافع بعض الناشطين عن الخطوة بوصفها تطورًا في منح النساء أدوارا قيادية في المؤسسات الدينية، لكنهم أيضًا تساءلوا عن الملابسات المحيطة بهذه التعيينات، وما إذا كانت تمت وفق معايير حقيقية أم تم تمريرها ضمن صفقة سياسية أو إدارية أكبر.

من إمامة الجوامع إلى دوائر الفساد

بعيدًا عن النقاش الديني، تحول الجدل إلى قضية فساد إداري، بعد أن أظهرت المعلومات أن التعيينات التي أثارت الضجة تمت ضمن حملة توظيف واسعة شملت 17 ألف شخص في محافظة نينوى، عبر عقود مؤقتة.

ما أثار الريبة، هو أن العناوين الوظيفية لعدد من النساء تضمنت صفة "إمام خامس" أو "إمام رابع"، وهو ما فهم على أنه تعيين رسمي في منصب ديني لا يتناسب مع وظيفة المرأة في السياق العراقي، ما دفع مراقبين إلى طرح تساؤلات عن شفافية الإجراءات، وكيفية تمرير مثل هذه الدرجات الوظيفية دون تدقيق ديني أو إداري.

ديوان الوقف السني، المعني بشؤون المساجد، سارع إلى التبرؤ من التعيينات، مؤكدًا أن القوائم الواردة إليه تضمنت هذه الصفة من الجهات المحلية في نينوى، ولم يصدر عنها أي قرار أو توصية بشأنها. 

البيان حمل نبرة دفاعية، لكنه لم يقنع قطاعات واسعة من المواطنين، الذين يرون أن الموضوع أكبر من مجرد خطأ إداري، بل يعكس خللا عميقًا في نظام التوظيف العام، واستخدام الوظائف لأغراض سياسية أو فئوية.

ضبابية الواقع ومخاوف من استغلال المؤسسات الدينية

وسط هذه المعطيات، يبقى المشهد ضبابيا، فبينما تشتعل وسائل التواصل الاجتماعي بالانتقادات والسخرية من تعيين نساء كأئمة في المساجد، تعيش المؤسسات الدينية والإدارية في البلاد حالة من فقدان الثقة.

لا أحد يعلم على وجه الدقة ما إذا كانت هذه التعيينات تمت عن قصد سياسي، أو أنها جاءت نتيجة تسرب إداري في ظل ضغوط التوظيف الشعبي.

فوضى التعينات في المؤسسات العراقية 

ويقول المحلل السياسي العراقي واثق الجابري: إن ما حدث في نينوى لا يمكن فصله عن فوضى التعيينات التي تشهدها المؤسسات العراقية منذ سنوات، حيث تمرر العناوين الوظيفية في سياقات غير واضحة، وغالبًا دون تدقيق أو مراجعة قانونية أو شرعية.

ويضيف الجابري - في تصريحات لـ"العرب مباشر"-، أن تعيين نساء في مناصب إمامة داخل الجوامع هو قرار خارج الأعراف الدينية السائدة في العراق، ويعكس إما جهلا بطبيعة الوظائف الدينية، أو محاولة لإشغال الرأي العام عن قضايا أكثر حساسية، مثل الفساد المالي والإداري، والزج بالمرأة في واجهة الجدل بهذه الطريقة دون سياق قانوني واضح أو خلفية تشريعية يعكس انحدارا في الأداء المؤسسي، ويكشف عن محاولة لكسب مشروعية اجتماعية مفقودة من خلال صدمة الرأي العام.