إيران تُحضّر لمعركة كبرى.. رادارات وصواريخ تحت الأرض

إيران تُحضّر لمعركة كبرى.. رادارات وصواريخ تحت الأرض

إيران تُحضّر لمعركة كبرى.. رادارات وصواريخ تحت الأرض
صواريخ إيران

في خضم تزايد التهديدات الإسرائيلية والأميركية بتوجيه ضربة عسكرية محتملة، تبدو إيران في حالة تعبئة واسعة وغير مسبوقة، فبينما تتسابق التصريحات النارية في العواصم الغربية، تتحرك طهران لتعزيز منظومتها الدفاعية، مدفوعة بمزيج من القلق الاستراتيجي والجهوزية الهجومية، من الجزر الجنوبية وحتى الحدود الشمالية الغربية، تتكامل الإجراءات العسكرية الإيرانية لتشكيل درع معقد يصعب اختراقه، التطور اللافت لا يقتصر على نشر أنظمة الرادار الحديثة أو إعادة تموضع الوحدات الصاروخية تحت الأرض، بل يتعداه إلى رسائل استخباراتية موجّهة بعناية من خلال زيارات ميدانية علنية لقادة الصف الأول في المؤسسة العسكرية، كل ذلك يشير إلى أن طهران لا تنتظر الضربة، بل تُعدّ نفسها لمواجهة مفتوحة، متعددة الجبهات، ربما تكتب فصلاً جديدًا في معادلات الشرق الأوسط.

تصعيد وتحذير.. خريطة التوتر تتغيّر


وسط تصاعد التصريحات العدائية من واشنطن وتل أبيب، والتي لمّحت إلى "خيار عسكري مطروح على الطاولة"، تكثف إيران من استجاباتها العسكرية على الأرض. وتؤكد مصادر أمنية مطلعة، أن التحركات الأخيرة ليست استعراضًا للقوة، بل استعداد فعلي لسيناريوهات التصعيد.

رادارات "غدير".. عين إيران الجديدة في السماء

صور حديثة ملتقطة عبر أقمار صناعية تجارية، حلّلتها جهات بحثية أميركية من بينها وحدة "كريتيكال ثريتس" التابعة لمعهد "أميركان إنتربرايز"، كشفت عن نشر منظومات رادارية جديدة من طراز "غدير" في مواقع استراتيجية، أبرزها محافظة أذربيجان الغربية.

هذه الرادارات من نوع "phased-array"، قادرة على كشف وتتبع الأهداف الجوية لمسافات طويلة، وتعد من أبرز ما طوّرته الصناعات العسكرية الإيرانية في العقد الأخير.

وبحسب محللين، فإن إيران قامت أيضًا بتركيب منظومتين إضافيتين في الجنوب، إحداهما قرب مضيق هرمز، والثانية على مقربة من قواعد بحرية في الخليج، في خطوة لسد الفجوات التي أحدثها قصف إسرائيلي سابق دمّر رادارات في الجنوب الغربي خلال أكتوبر الماضي.

زيارات عسكرية تحمل رسائل سياسية

في تحرك يعبّر عن أعلى درجات الاستنفار، أجرى كبار القادة العسكريين الإيرانيين، بينهم قائد الدفاع الجوي اللواء علي رضا صباحي فرد، والعميد أمير علي حاجي زاده، قائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري، جولات تفقدية إلى مواقع دفاعية في الجزر الواقعة جنوب البلاد.

الزيارات التي وُصفت بأنها "تفقدية عملياتية"، رافقتها تصريحات نارية؛ حيث أكد صباحي فرد أن "القوات الجوية تقف على أهبة الاستعداد، وسترد فورًا وبقوة على أي استفزاز"، مضيفًا أن العدو "يعلم جيدًا حدود قدراتنا ولا يجرؤ على تجاوزها دون حسابات دقيقة".

منشآت صاروخية تحت الأرض.. الاستعداد للهجوم قبل الدفاع

في سياق آخر من التهيئة، كشفت صحيفة "طهران تايمز" المقرّبة من دوائر صنع القرار، أن إيران قامت مؤخرًا بنقل أعداد كبيرة من صواريخها متوسطة وبعيدة المدى إلى قواعد سرية تحت الأرض.
هذه المنشآت صُممت لتحمل أقسى أنواع القصف الجوي، ما يجعل تدميرها شبه مستحيل إلا بعمليات برية محفوفة بالمخاطر.

الصواريخ، وفقًا للتسريبات، أصبحت في حالة "جاهزية كاملة"، وتنتظر فقط إشارات من القيادة العليا لتنفيذ أي رد محتمل، ما يرفع منسوب القلق لدى الجهات الغربية من مفاجآت غير متوقعة في حال اندلاع المواجهة.

تأتي هذه التحركات في ظل تحذيرات متكررة أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطاباته الأخيرة، مطالبًا إيران بالتراجع عن برامجها النووية والصاروخية، وتفكيك ما أسماه "بنية الإرهاب الإقليمية" في إشارة إلى دعم طهران للفصائل المسلحة في اليمن، العراق، سوريا ولبنان.

ويرى مراقبون، أن التحركات الإيرانية لا تعكس فقط الخوف من ضربة قريبة، بل تعبر عن استراتيجية "ردع مزدوج"، تهدف إلى إيصال رسالة مفادها: "أي ضربة محدودة قد تتحول إلى حرب واسعة النطاق".

معركة أعصاب


من جانبه، يقول د.محمد محسن، خبير الشؤون الإيرانية: إن ما تقوم به طهران في الأسابيع الأخيرة يمثل تحولًا نوعيًا في عقيدتها الدفاعية، من مجرد الاعتماد على الردع السلبي إلى تبني ما يمكن وصفه بـ"الردع الهجومي المعلن"، حيث يتم إرسال إشارات مقصودة للخصوم بأن أي ضربة ضد إيران لن تمر دون عواقب واسعة النطاق.

ويقول محسن: "لا يمكن فهم الاستعدادات العسكرية الإيرانية الأخيرة بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي؛ فتهديدات إدارة ترامب لا تعكس فقط رغبة في الضغط على إيران، بل قد تُستغل سياسيًا ضمن الحسابات الانتخابية، مما يضع طهران أمام احتمالية مواجهة غير متوقعة، رغم أن السيناريو الأكثر ترجيحًا يظل في إطار التهديد والتلويح".

ويضيف في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن نشر منظومات رادارية متقدمة في الشمال والجنوب، وإعادة تموضع الصواريخ داخل منشآت محصنة تحت الأرض، يهدف بالأساس إلى تعزيز القدرة على امتصاص الضربة الأولى، والرد عليها بسرعة ودقة، وهذا تطور ملحوظ يعكس تحولًا في طريقة تفكير المؤسسة العسكرية الإيرانية."

ويختم محسن، حديثه بالقول: إن طهران "تدير معركة أعصاب"، وتُبقي يدها على الزناد في انتظار الخطوة التالية من واشنطن أو تل أبيب، مؤكدًا أن أي خطأ في الحسابات قد يشعل مواجهة إقليمية لا يمكن حصر تداعياتها.