غزة تختنق.. مجاعة تزحف في الظل وخرائط الإخلاء تتسع

غزة تختنق.. مجاعة تزحف في الظل وخرائط الإخلاء تتسع

غزة تختنق.. مجاعة تزحف في الظل وخرائط الإخلاء تتسع
حرب غزة

في قطاع غزة، لم تعد الضربات الجوية وحدها تهدد الحياة، فالموت بات يتسلل بهدوء من منافذ أخرى أبرزها: الجوع، العطش، وانهيار البنى التحتية، شهران مرا منذ أن شددت إسرائيل حصارها الكامل على القطاع، تاركة نحو مليوني مدني يواجهون كارثة إنسانية متفاقمة وسط صمت عالمي مخيف، الجوع يتفشى، المياه النظيفة باتت ترفًا نادرًا، والملاجئ المؤقتة تحولت إلى بؤر مكتظة ينهشها البرد والوباء، وفي الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل عن خرائط جديدة للإخلاء، لم تعد هناك أماكن تُؤوي، ولا وجهات آمنة تُرتجى. تقف غزة اليوم في مواجهة موت متعدد الأوجه، يتقدم بخطى ثابتة في ظل عجز دولي عن كبح جماح الكارثة.

*إخلاء مناطق جديدة*


مع دخول الحصار الإسرائيلي شهره الثاني، بات سكان قطاع غزة محاصرين بين نيران القصف وسكاكين الجوع، لم تُعد المساعدات تصل كما في السابق، والمخازن فرغت من المواد الأساسية، بينما ازدادت أعداد المشردين ممن تركوا منازلهم قسرًا تحت وطأة أوامر الإخلاء أو ركام الغارات.

أعلنت الأمم المتحدة، عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن ثلثي مساحة القطاع أصبحت الآن مناطق محظورة، غير آمنة للسكن، ومع كل خريطة جديدة للإخلاء يصدرها الجيش الإسرائيلي، يتكاثر النزوح، ويُدفع السكان إلى مناطق محدودة لا تحتمل هذا التكدس، مما يؤدي إلى انهيار إضافي في قدرات الإيواء والخدمات.

في الوقت ذاته، أصدرت إسرائيل أوامر إخلاء جديدة في مناطق عدة من قطاع غزة، ما يفاقم من معاناة السكان. مناطق جديدة لم تُدرج من قبل ضمن قائمة الإخلاء، مثل: الصحابة، السماح، العودة، الزوايدة، والصلاح، أصبحت الآن مناطق محظورة؛ مما دفع مئات الآلاف إلى النزوح إلى الجنوب. 

وفقًا للتقارير المحلية، شهدت تلك المناطق حركة نزوح كبيرة، وسط صعوبة كبيرة للأطفال وكبار السن في التحرك.

*حياة مستحيلة*


يقول أحد مسؤولي بلدية غزة، إن المدينة باتت غير صالحة للعيش، النفايات المتراكمة تجاوزت 175 ألف طن، والمياه تصل فقط إلى أقل من نصف السكان، أما من لا يجدون نقطة ماء، فيلجؤون إلى مصادر ملوثة، وفقًا لـ"CNN".

الضغط على البنية التحتية في قطاع غزة وصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تعيش غزة اليوم حالة من الانهيار الكامل في كافة مرافقها الأساسية.

نقص المياه أصبح من أبرز القضايا التي تهدد حياة سكان القطاع، حيث تشير الإحصائيات أن أكثر من 60% من سكان غزة لا يحصلون على احتياجاتهم المائية اليومية؛ مما يهدد صحة الجميع ويزيد من معاناتهم. في العديد من المناطق، تقطعت أوصال شبكات المياه، ما جعل السكان يعتمدون على المصادر البديلة الملوثة.

أما في ما يخص الصرف الصحي، فقد تدهور الوضع بشكل كارثي، حيث أصبح نظام الصرف الصحي في العديد من الأحياء المكتظة يعاني من العجز التام. 

شبكة المجاري أصبحت لا تعمل بشكل فعال؛ ما أدى إلى تسرب المياه العادمة إلى الشوارع، مما يهدد بتفشي الأمراض المعدية في المناطق التي تسكنها العائلات النازحة من مختلف الأماكن.
أصبحت تلك المياه المتسربة بيئة خصبة لانتشار الأوبئة مثل الكوليرا، بالإضافة إلى تفشي البراغيث والعث في أماكن الإيواء المؤقتة، الأمر الذي فاقم من الوضع الصحي المتدهور.

وفي الوقت ذاته، تصر المنظمات الإنسانية على أن الآلية التي تحاول إسرائيل فرضها لتنسيق دخول المساعدات عبر معابر محددة لا تلبي الاحتياجات العاجلة للقطاع. تلك الآلية تقتصر على السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى عدد قليل من المعابر، الأمر الذي يعني أن التوزيع ليس فعالًا ولا يشمل المناطق الأكثر احتياجًا.

على الرغم من أن حوالي 89,000 طن من الغذاء ما تزال عالقة على الحدود، فإن تأخر وصولها إلى غزة يزيد من المعاناة المستمرة، خاصة أن هذه المواد الغذائية أساسية للحفاظ على حياة المدنيين.

من جانب آخر، استمرت الأسعار في الارتفاع بشكل غير طبيعي، حيث سجلت أسعار المواد الغذائية الأساسية زيادات هائلة وصلت إلى 450% في بعض الحالات.


باتت عائلات كثيرة غير قادرة على تأمين احتياجاتها اليومية من الطعام بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني، الأمر الذي يفاقم الوضع الإنساني ويزيد من ضغوط المواطنين الذين يعانون من فقر مدقع.

*مجاعة بلا مساعدات*


في مشهد آخر، أغلقت جميع المخابز المدعومة في غزة، وعددها 25، أبوابها بالكامل، والسبب: نفاد الطحين وغاز الطهي.

ووفق برنامج الغذاء العالمي، فإن أكثر من مليون شخص حُرموا من المساعدات الغذائية خلال شهر مارس وحده، في ظل ارتفاع جنوني لأسعار المواد المتاحة، فقد تضاعف سعر كيس الطحين بنسبة تجاوزت 450%، ليصبح من المتعذر على الغالبية الحصول عليه.

تقول تقارير برنامج الأغذية العالمي، إن نحو 89 ألف طن من الطعام تنتظر دخول القطاع، في الوقت الذي يتضور فيه المدنيون جوعًا.

وتشير بيانات "أوتشا"، أن ثلثي الأسر لا تصلهم سوى ستة لترات من المياه الصالحة للشرب يوميًا، وهو رقم بعيد عن الحد الأدنى المقبول للإنسان.

*دعم أمريكي*


سياسيًا، تضاربت مواقف الإدارة الأمريكية بين عهدي بايدن وترامب، فبينما مارست إدارة بايدن بعض الضغط المؤقت على تل أبيب لتسهيل مرور المساعدات، انخفض هذا الضغط بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة.


أما إدارة ترامب، فتُتهم بأنها غضّت الطرف تمامًا عن الأوضاع الإنسانية في غزة.


منظمة الصحة العالمية صندوق الأمم المتحدة للسكان حذرا من أن الوضع الصحي في غزة يزداد تعقيدًا، مع غياب الرعاية الصحية الأساسية وانتشار الأمراض المعدية بسبب الظروف المعيشية الصعبة
في الوقت نفسه، تبقى أزمة الغذاء والمياه على رأس الأولويات الإنسانية، وتستمر التحذيرات من إمكانية تدهور الأوضاع في الأيام القادمة في ظل استمرار الحصار العسكري والمواجهات المتصاعدة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية.