انقضاض مالي حوثي.. و مركزي عدن يتصدى بمبادرات إصلاحية ودعم دولي
انقضاض مالي حوثي.. و مركزي عدن يتصدى بمبادرات إصلاحية ودعم دولي

بينما تسعى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا لترميم ما تبقى من النظام المالي المنهك في البلاد، تتسع فجوة الانقسام المصرفي بين صنعاء وعدن، بعد استيلاء الحوثيين على بنك تجاري جديد في العاصمة الخاضعة لسيطرتهم، ففي وقت يُعلن فيه البنك المركزي في عدن عن حزمة إجراءات لتعزيز بيئة العمل المالي وتشجيع المؤسسات على الانتقال جنوبًا، يتسارع نفوذ الجماعة في شمال اليمن عبر أدوات مالية وأمنية، تنذر بتحويل القطاع المصرفي إلى ذراع تمويل موازية.
مصادر مطلعة أكدت أن هذه ليست المرة الأولى التي تستولي فيها الجماعة على مصرف خاص، لكنها تُعد من أخطر العمليات لما تنطوي عليه من رسائل اقتصادية وسياسية، ومع اشتداد العقوبات الأميركية ضد الحوثيين، وحرمان اليمن من موارده النفطية بفعل هجماتهم، يبدو أن الصراع المالي بات جبهة موازية للحرب العسكرية، وأن ثقة السوق تتآكل على وقع التسييس والمصادرة.
*سطو حوثي*
في أحدث حلقات التدخلات الحوثية بالقطاع المالي، كشفت مصادر مصرفية في صنعاء، أن الجماعة وضعت يدها على بنك "اليمن والخليج"، وهو بنك تجاري خاص مملوك لعدد من رجال الأعمال، ليصبح ضحية جديدة لسياسة "الحارس القضائي" التي تتبعها الجماعة منذ انقلابها على الشرعية.
بحسب تلك المصادر، عيّن الحوثيون رائد الشاعر، نجل شقيق صالح الشاعر، المعروف سابقًا بلقب "الحارس القضائي"، مسؤولًا عن البنك، متكئًا على نفوذ عائلته داخل هيكل الجماعة.
وجرى لاحقًا تنصيب إدارة موالية خفضت رواتب الموظفين بنسبة 60% دون سند قانوني، وسط تهديدات صريحة للموظفين المستقيلين بالعودة للعمل أو التعرض للعقوبات، ما يعكس عقلية السيطرة القسرية على الاقتصاد.
*الاستيلاء المقنّع*
لم تكن هذه هي السابقة الأولى، فقد استولت الجماعة خلال السنوات الماضية على عدد من البنوك، أبرزها: "بنك سبأ" و"بنك التضامن"، حيث تعمد إلى مصادرة أرصدة، وتغيير الإدارات، وممارسة ابتزاز مالي مباشر أو عبر واجهات قضائية.
ويُعتقد أن هذه الإجراءات تهدف إلى بناء شبكة تمويل خاصة بالجماعة بعيدًا عن النظام المالي الوطني، تحت غطاء "الحراسة القضائية"، الذي تم توظيفه لأغراض سياسية واقتصادية بحتة.
وتتحدث تقارير اقتصادية عن أن الحوثيين يعمدون إلى استخدام أرصدة البنوك المصادرة لتمويل أنشطتهم العسكرية ودفع رواتب عناصرهم، مع تغييب تام للشفافية المالية.
*عدن.. خيارات بديلة*
وفي مواجهة هذا الواقع، أقر مجلس إدارة البنك المركزي اليمني في عدن سلسلة من الخطوات لتعزيز صمود النظام المصرفي في مناطق الحكومة الشرعية، فقد أعلن عن دعم خاص للبنوك التي نقلت عملياتها من مناطق سيطرة الحوثيين إلى عدن، وتأسيس "شركة الدفع الفورية" بدعم من البنك الدولي لتطوير أنظمة المدفوعات والتحويلات الرقمية.
كما ناقش المجلس إعادة هيكلة شركة الشبكة الموحدة للتحويلات، ومنح البنوك حصة الأغلبية فيها، في خطوة تهدف لتقوية علاقة المصارف المحلية بالمؤسسات المالية الإقليمية والدولية.
*إصلاحات مالية في زمن العقوبات*
اجتماع مجلس إدارة البنك المركزي شدّد على ضرورة تبني إصلاحات عاجلة في الموارد والإنفاق العام، خاصة في ظل تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية أجنبية من قِبل واشنطن، ما زاد من تعقيد التعاملات المصرفية الخارجية.
بيانات البنك أشارت أنه تم تأمين نحو 2.4 مليار دولار من التمويلات المحلية والخارجية خلال 2024، دون اللجوء إلى التمويل التضخمي، في محاولة للحفاظ على الاستقرار النقدي.
كما أشار إلى جهود دعم المرتبات والخدمات الأساسية رغم محدودية الموارد، خصوصًا بعد توقف تصدير النفط نتيجة للهجمات الحوثية على الموانئ.
*أذرع بديلة وخطة إنقاذ*
ضمن الإجراءات المصاحبة، أعلن البنك المركزي عن إعادة تفعيل معهد الدراسات المصرفية لتأهيل الكوادر وتطوير قدرات البنوك في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما ثمن الدعم المالي المقدم من السعودية والإمارات، واعتبره حاسمًا في التخفيف من أزمة السيولة، وفق مراقبين، فإن المواجهة الاقتصادية بين صنعاء وعدن قد تُحدد مستقبل اليمن المالي، في ظل محاولات الحكومة استعادة الثقة المحلية والدولية بالمؤسسات، مقابل سعي الحوثيين لترسيخ نفوذهم المالي والعسكري عبر أدوات غير تقليدية.
من جانبه، يقول المحلل السياسي اليمني، أدونيس الدخيني: إن الاستيلاء الحوثي على البنوك الخاصة في صنعاء ليس مجرد تحرك مالي عشوائي، بل هو انعكاس لاستراتيجية متكاملة تسعى الجماعة من خلالها إلى بناء اقتصاد موازٍ خاضع لسيطرتها المطلقة، على غرار الحرس الثوري في إيران.
ويضيف الدخيني في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الإجراءات الحوثية تهدف إلى خنق النظام المالي المرتبط بالحكومة الشرعية، وفرض واقع اقتصادي يكرّس الانقسام الجغرافي والوظيفي، وهو ما يُنذر بتعميق الأزمة السياسية.
ويشير أن تلك الاستراتيجية تزامنت مع العقوبات الأميركية الجديدة، ما يجعل الجماعة تبحث عن مصادر تمويل ذاتية من المؤسسات التي يمكن إخضاعها بقوة السلاح.
ويؤكد أن دعم البنك المركزي في عدن للبنوك والمؤسسات الناقلة لنشاطها، خطوة هامة، لكنها تحتاج إلى استراتيجيات حماية أوسع، تشمل التدخلات الدولية وضمانات المصارف الدولية، إضافة إلى تقديم دعم فني وتقني يضمن تماسك النظام المصرفي في مناطق الشرعية.
ويختم الدخيني بالقول: إن الصراع المالي بين صنعاء وعدن مرشح للتصعيد، وإنه بات ضرورة عاجلة وضع حد لتغول الجماعة على مقدرات اليمنيين الاقتصادية، لأنها تُهدد بنسف أي عملية سلام مستقبلية.