درون الحرب تهدد اقتصادين.. السودان وجنوبه يقتربان من أزمة نفطية خانقة
درون الحرب تهدد اقتصادين.. السودان وجنوبه يقتربان من أزمة نفطية خانقة

في قلب نزاع دموي ممتد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بدأ شبح أزمة طاقة إقليمية يطل برأسه، مع تحذيرات رسمية من الخرطوم حول احتمال توقف تدفق النفط من دولة جنوب السودان.
الضربات المتصاعدة بالطائرات المسيّرة، التي طالت منشآت تصدير حيوية داخل الأراضي السودانية، لم تهدد فقط بنية تحتية هشّة، بل وضعت العلاقة الاقتصادية الحيوية بين الدولتين أمام اختبار وجودي.
جنوب السودان، المحاصر جغرافيًا بلا منفذ بحري، يعتمد بالكامل على خطوط الأنابيب السودانية لنقل إنتاجه النفطي إلى الأسواق العالمية، ما يجعل أي تعطيل لتلك الشبكة بمثابة ضربة مزدوجة لاقتصاد يعاني أصلًا من اضطرابات سياسية داخلية، ومع تصاعد هجمات الدعم السريع على منشآت الطاقة، واحتمالات تعليق الاتفاق النفطي مجددًا، يتبدّى خطر انزلاق الدولتين إلى مأزق جديد، ليس فقط عسكريًا أو دبلوماسيًا، بل اقتصاديًا يمس الأمن الإقليمي وأسواق الطاقة العالمية على حد سواء.
*رسالة تحذيرية*
في رسالة رسمية كشفت عنها وكالة الصحافة الفرنسية، طالبت الحكومة السودانية شركات النفط بالاستعداد لإغلاق منشآت تصدير النفط التي تخدم جنوب السودان، محذرة من أن الضربات الجوية الأخيرة التي شنتها قوات الدعم السريع قد تقطع الشريان الاقتصادي الرابط بين البلدين.
الرسالة، الموجّهة من وزارة الطاقة والنفط السودانية إلى نظيرتها في جوبا، كشفت عن تعرض محطة ضخ رئيسية ومستودع للوقود لهجمات بطائرات مسيّرة في يومي 8 و9 مايو، ضمن مناطق تقع تحت سيطرة الجيش السوداني.
*لا بدائل لـ"بورتسودان"*
هذه الهجمات ليست مجرد تطور ميداني عابر في الحرب الدائرة منذ عامين بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ بل إنها تطال أحد أهم الملفات الاستراتيجية التي تربط بين السودان وجنوبه المنفصل منذ 2011.
فجنوب السودان، الذي يعتمد على السودان في تصدير نفطه عبر ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، لا يمتلك بدائل فورية لنقل إنتاجه الذي يقدّر بنحو 110 آلاف برميل يوميًا.
ويشكّل هذا النفط مصدر الدخل الرئيسي لحكومة جوبا، كما تمثّل رسوم العبور دخلاً حيويًا لحكومة الخرطوم، التي تكافح لإبقاء مؤسساتها واقفة وسط صراع أهلي مزمن.
التحذير السوداني يأتي بعد شهور فقط من استئناف العمل بالاتفاق التجاري النفطي بين البلدين في يناير 2025، عقب توقف دام عامًا بسبب التوترات العسكرية.
وقد عزز الاتفاق آنذاك آمالًا باستقرار جزئي يمكن أن يعيد ضخ السيولة النقدية إلى اقتصادين يعانيان من الإنهاك السياسي والمالي.
لكن التصعيد العسكري الأخير، لاسيما استخدام الدعم السريع للطائرات المسيّرة في استهداف مواقع استراتيجية، دفع حكومة الخرطوم إلى إعادة تقييم مستوى الأمان في تشغيل شبكة الأنابيب.
*أطراف دولية*
المخاوف من توقف تدفق النفط ليست محصورة في الخرطوم وجوبا، بل تمتد إلى الأسواق العالمية التي تراقب باهتمام ما قد يعنيه أي تعطيل للصادرات في ظل توترات قائمة بالفعل في مناطق أخرى من العالم.
كما أن الأزمة تمس أطرافًا دولية تستثمر في البنية التحتية النفطية للمنطقة، من بينها شركات صينية وماليزية، ما يضيف بعدًا دبلوماسيًا إضافيًا إلى تعقيدات الملف.
اللافت، أن المسؤولين في قطاع النفط بجنوب السودان التزموا الصمت حيال هذه التطورات، رغم فداحة التهديد.
ويُرجح أن حالة الجمود السياسي في جوبا، التي تعيش بدورها صراعًا داخليًا على السلطة بين الرئيس سلفا كير ونائبه المعتقل رياك مشار، قد تكون أحد أسباب الغياب الرسمي عن المشهد.
فوزير النفط في جوبا، بوت كانغ شول، محسوب على معسكر مشار، ما يثير تساؤلات حول قدرة الحكومة هناك على التعامل بفعالية مع هذا التهديد متعدد الأوجه.
وما يزيد الطين بلّة، أن قوات الدعم السريع قد كثفت مؤخرًا من استخدام الطائرات المسيّرة لاستهداف البنية التحتية السودانية، بما يشمل الموانئ والمطارات ومحطات الكهرباء.
وتعتبر هذه الهجمات جزءًا من استراتيجية واضحة تهدف إلى إنهاك الجيش السوداني والسيطرة على مفاصل الدولة.
غير أن استهداف منشآت النفط، التي تخدم مصالح دولتين، يكشف تحولًا خطيرًا في مسار المواجهة، حيث تنتقل الحرب من الطابع العسكري البحت إلى ضربات قد تعصف باستقرار المنطقة بأسرها.
في المحصلة، تجد الدولتان نفسيهما أمام أزمة تتجاوز الحسابات العسكرية أو حتى السياسية. فإذا أغلقت خطوط تصدير النفط، فإن الخرطوم ستفقد موردًا ماليًا نادرًا، وجوبا ستخسر شريان الحياة الأساسي لاقتصادها.
وبين هذا وذاك، تقف المنطقة على حافة أزمة جديدة قد تعيد خلط الأوراق في ملف السلام، وتدفع المجتمع الدولي نحو التدخل، ليس بدافع المصالح الإنسانية هذه المرة، بل لحماية تدفق الطاقة في زمن بالغ الحساسية.