إسرائيل تضغط على واشنطن لاستئناف الضربات في اليمن.. ما التداعيات؟

إسرائيل تضغط على واشنطن لاستئناف الضربات في اليمن.. ما التداعيات؟

إسرائيل تضغط على واشنطن لاستئناف الضربات في اليمن.. ما التداعيات؟
ترامب ونتنياهو

في تصعيد جديد يعكس تعقيد المشهد الإقليمي، طالبت إسرائيل بشكل مباشر الإدارة الأميركية باستئناف ضرباتها العسكرية ضد جماعة الحوثي في اليمن، بعد سلسلة هجمات عنيفة طالت العمق الإسرائيلي والسفن العابرة للبحر الأحمر.

 الهجمات الحوثية، التي وصفتها الجماعة بـ"دعم للمقاومة الفلسطينية"، تزامنت مع تزايد القلق الإسرائيلي من غياب الرد الأميركي بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن وصنعاء، وفي ظل استمرار الحوثيين في إطلاق صواريخ باليستية واعتراضها بالقرب من المجال الجوي الإسرائيلي، لم تعد تل أبيب تعتبر التهديد مشكلة أمنية محلية، بل أزمة دولية تتطلب تشكيل تحالف عسكري واسع، هذه الدعوة العلنية من إسرائيل إلى تجديد الهجمات الأميركية تضع إدارة ترامب أمام اختبار سياسي وعسكري دقيق: هل تلتزم باتفاق السلام مع الحوثيين أم تستجيب لحليفتها الأقرب في المنطقة، وبينما تترقب المنطقة الرد الأميركي، يبدو أن جبهة البحر الأحمر تتجه نحو مزيد من الاشتعال.

*عمليات مشتركة*


تواجه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة تصعيدًا لافتًا من قبل جماعة الحوثي اليمنية، التي كثّفت من هجماتها الصاروخية على الداخل الإسرائيلي، كما نفذت عمليات بحرية جريئة استهدفت سفنًا تجارية، أسفرت عن إغراق اثنتين منها وفق تقارير إعلامية.

هذا التصعيد دفع حكومة بنيامين نتنياهو إلى التحرك دبلوماسيًا وأمنيًا، عبر مطالبة الولايات المتحدة رسميًا بإعادة تفعيل هجماتها الجوية ضد مواقع الحوثيين في اليمن، محذرة من تحول الجماعة إلى "قوة إقليمية خطرة ذات بعد استراتيجي يتجاوز الساحة اليمنية".

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية، أن تل أبيب أبلغت واشنطن أن "التهديد الحوثي لم يعد شأنًا إسرائيليًا بحتًا"، داعية إلى تحالف دولي مشابه لذلك الذي تصدى سابقًا لهجمات الحوثيين على الملاحة الدولية.

وأضافت الهيئة، أن إسرائيل أبلغت شركاءها أن الاتفاق الأميركي الأخير مع الحوثيين، الذي تم بوساطة سلطنة عُمان في مايو، فشل في كبح جماح الجماعة، التي استأنفت هجماتها بعد هدنة قصيرة.

وبحسب ما نقلته إذاعة "كان" العبرية، فإن إسرائيل لا تطالب بعودة الضربات الأميركية فحسب، بل دعت إلى "عمليات مشتركة جوية وبحرية واسعة النطاق" تستهدف البنية العسكرية للحوثيين، وخصوصًا قدراتهم الصاروخية ومواقع إطلاق الطائرات المسيّرة.

 وقال مصدر أمني إسرائيلي للإذاعة: إن هناك "ضرورة لتشكيل تحالف واسع يضم دولًا أوروبية وعربية لتوجيه رسالة قوية إلى الحوثيين بأن التصعيد سيقابل برد جماعي ساحق".


*إرهاب بحري منظم*


يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، أكد من جهته أن الجماعة ماضية في استهداف "أهداف إسرائيلية ذات طابع استراتيجي"، معلنًا عن إطلاق صاروخ باليستي من طراز "ذو الفقار" باتجاه مطار بن غوريون.

ورغم عدم وقوع إصابات، فإن الحدث ترك صدى سياسيًا كبيرًا في إسرائيل، التي رأت فيه تجاوزًا واضحًا للخطوط الحمراء.

وتتزامن المطالب الإسرائيلية مع هجمات متكررة شنتها الجماعة على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، أبرزها الهجوم على سفينة "إيترنتي سي"، واختطاف عدد من البحارة، ووصفت إسرائيل الحادث بأنه "إرهاب بحري منظم"، بينما لم يصدر تعليق أميركي مباشر حتى الآن على التصعيد.

*ورقة ضغط إيرانية*


القلق الإسرائيلي يتزايد من احتمال أن يكون الاتفاق الأميركي- الحوثي قد منح الجماعة فرصة لإعادة تنظيم صفوفها وتطوير قدراتها الهجومية، لا سيما مع تقارير استخباراتية تفيد بامتلاك الحوثيين صواريخ بعيدة المدى قد تصل إلى مناطق حساسة داخل إسرائيل.

في المقابل، يرى بعض المحللين في واشنطن أن إدارة ترامب ما زالت تفضل الحفاظ على مسار التهدئة، تفاديًا لمواجهة مباشرة قد تنسف جهود إعادة الاستقرار في اليمن.

إلا أن استمرار الهجمات، وخاصة تلك التي تستهدف مصالح إسرائيل والغرب في البحر الأحمر، يضغط باتجاه مراجعة الاستراتيجية الأميركية.

وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول دخل بدوره على الخط، داعيًا إيران إلى "استخدام نفوذها لوقف الهجمات الحوثية"، في إشارة إلى العلاقة الوثيقة بين طهران والجماعة اليمنية، والتي لطالما شكلت محور قلق إسرائيلي وأميركي مشترك.

من جهتها، لم تعلق طهران رسميًا على التصعيد الأخير، إلا أن بعض الأوساط الدبلوماسية تشير أن إيران ترى في تصعيد الحوثيين ورقة ضغط على الولايات المتحدة، في ظل الجمود الذي يعتري ملف الاتفاق النووي وملفات إقليمية أخرى.

*معادلة صعبة*


أما في إسرائيل، فقد بدأ القادة العسكريون يتحدثون عن سيناريوهات محتملة للتصعيد، منها توجيه ضربات مباشرة إلى منشآت عسكرية في اليمن، أو المشاركة في عمليات بحرية في باب المندب، وسط تحذيرات من أن استمرار الهجمات دون رد سيُضعف من هيبة الردع الإسرائيلي.

من جانبه، يرى د. طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الطلب الإسرائيلي الموجه إلى الإدارة الأميركية يعكس تحولًا جوهريًا في مقاربة تل أبيب للتهديدات الإقليمية، خاصة تلك التي تنبع من "أطراف غير تقليدية" كجماعة الحوثي.

ويشير، أن إسرائيل لم تكتفِ هذه المرة بالرد العسكري المحدود، بل سعت لتدويل المواجهة من خلال الضغط على واشنطن لاستئناف الغارات الجوية وتشكيل تحالف عسكري واسع، وهو ما يعكس قلقًا عميقًا من تطور القدرات الصاروخية للحوثيين، ومن إمكانية انخراطهم بشكل مباشر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ويؤكد فهمي في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن هذه المطالبة الإسرائيلية ستضع إدارة ترامب أمام معادلة صعبة، فهي من جهة ملتزمة باتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين، ومن جهة أخرى لا تستطيع تجاهل شريكها الاستراتيجي الإسرائيلي.

وفي حال استجابت واشنطن، فإن ذلك قد يؤدي إلى انهيار الهدنة اليمنية وعودة التصعيد العسكري، ليس فقط في اليمن، بل في مجمل الإقليم، بما في ذلك مضيق باب المندب وقواعد أميركية في الخليج.

ويحذر فهمي من أن التورط في جبهة جديدة ضد الحوثيين قد يُستخدم من قبل إيران كورقة تصعيد موازٍ في ملفات أخرى؛ مما قد يعقد أي مسارات تفاوض إقليمية جارية حاليًا.