من الأنفاق إلى الإعمار: كواليس التخطيط لأكبر مهمة دولية في غزة
من الأنفاق إلى الإعمار: كواليس التخطيط لأكبر مهمة دولية في غزة
من داخل الطابق الثالث في مركز التنسيق المدني العسكري الأمريكي بمدينة كريات جات جنوبي إسرائيل، ترسم ملامح واحدة من أكثر الخطط الدولية حساسية منذ عقود، خطة يتوقع أن تغير شكل المشهد الأمني والسياسي في قطاع غزة، فبعد قرار مجلس الأمن الأخير، الذي جاء بطلب أمريكي، تتسارع التحضيرات لتأسيس قوة استقرار متعددة الجنسيات يُفترض أن تتولى مهام معقدة على الأرض، من حفظ الأمن إلى نزع السلاح وتدمير الأنفاق، وصولًا إلى تمهيد الطريق لإعادة إعمار القطاع، التقارير الإسرائيلية تكشف عن اجتماعات يومية مكثفة تضم ممثلين من عشرات الدول، يتبادلون التقديرات والسيناريوهات، وسط حالة من الترقب والحذر، إذ يدرك الجميع أن نجاح هذه القوة أو فشلها سيعيد رسم خريطة غزة بالكامل، وفي خضم هذه التحضيرات، تمتد النقاشات من تفويض القوة إلى لون زيّ جنودها، فيما يتابع العالم عن كثب أول تجربة من نوعها في تاريخ العمليات الدولية.
فرق دولية في أجواء من الحذر
تشهد مدينة كريات جات، الواقعة جنوب إسرائيل، حركة غير مسبوقة داخل مركز التنسيق المدني العسكري الأمريكي (CMCC)، حيث تجتمع فرق دولية متعددة يوميًا لوضع التصور الكامل لقوة الاستقرار الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة، هذه القوة، التي وافق مجلس الأمن على تشكيلها مؤخرًا، تُعدّ مشروعًا استثنائيًا لغياب أي نموذج دولي مشابه يمكن الاسترشاد به، ما يجعل كل خطوة في التخطيط بمثابة تجربة جديدة في عالم العمليات متعددة الجنسيات.
بحسب تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت، يتجمع ممثلو 21 دولة في ست مجموعات توجيهية وفكرية تعمل من الطابق العلوي للمقر الأمريكي، ويتناول هؤلاء مستقبل القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، ويضعون تصورًا لعمل القوة داخل غزة، لا خارجها، خلافًا لما رُجح في تقارير سابقة.
إصرار إسرائيل على تموضع القوة داخل القطاع يعكس رغبتها في الحفاظ على هامش مناورة أمني يمنع عودة حماس للسيطرة الميدانية، رغم أن الدول المشاركة ـ وخاصة ذات الأغلبية المسلمة ـ لا تزال تدرس حجم المخاطر على جنودها قبل الموافقة النهائية.
ويشير الجيش الإسرائيلي إلى أن واشنطن ستتخذ قرارها خلال أسابيع أو أشهر قليلة، وهو إطار زمني حاسم بالنسبة للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، التي لن تُنفّذ دون وجود هذه القوة.
نقاشات دقيقة
في كواليس المقر الأمريكي، يجري بحث تفاصيل شديدة التعقيد: نوع السلاح الذي ستحمله القوة، أماكن انتشارها، حدود صلاحياتها القانونية، والتفويض الذي ستعمل بموجبه.
مجموعات العمل الستّ تدرس أيضًا كيفية تجنب أي احتكاك بين القوة الدولية والجيش الإسرائيلي، خاصة في ظل العمليات المستمرة على أطراف غزة. كما يجري إعداد منظومات اتصالات خاصة تضمن تواصلًا آمنًا وسريعًا بين جنود القوة وقيادتها.
حتى اسم القوة ولون زي جنودها يخضعان للنقاش، في محاولة لصياغة هوية واضحة لهذه المهمة، التي ستشمل أعمالًا محفوفة بالمخاطر، تتراوح بين التعامل مع الأنفاق المتبقية إلى جمع عشرات الآلاف من قطع السلاح من عناصر حماس “بالتراضي أو بالقوة”.
مقارنة مع اليونيفيل: درس لا تريد إسرائيل تكراره
تُصرّ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أن هذه القوة يجب ألا تكون نسخة أخرى من اليونيفيل المنتشرة جنوب لبنان، والتي يرى الإسرائيليون أنها لم تمنع تعاظم قوة حزب الله، وتصف الصحيفة تجربة اليونيفيل بأنها نموذج لما يجب تجنّبه قوة مسلحة لكنها تتراجع عند أول احتكاك، وتخشى من دخول مناطق حساسة.
ولذلك، تُبنى القوة الدولية في غزة على أسس مختلفة تمامًا، انطلاقًا من تدريبها، وصولًا إلى نوعية القوات التي قد تُرسلها الدول المشاركة، وتشير المعلومات إلى أن المهمة أوكلت إلى وحدة العمليات الخاصة في القيادة المركزية الأمريكية، ما يرجّح مشاركة قوات محترفة ومجهّزة للتعامل مع بيئة قتالية معقدة.
المثير أن الصحيفة تكشف عن آلية تنسيق محدودة لكنها فعّالة بين الجيش الإسرائيلي والجانب الأمريكي، خصوصًا في ما يتعلق بحركة عناصر حماس الخارجين للبحث عن رهائن في مناطق قريبة من القوات الإسرائيلية.
وبحسب التقرير، فإن الجيش الإسرائيلي يمتنع عن استهدافهم في تلك اللحظات بفضل هذا التنسيق التكتيكي، وهو مؤشر على مستوى جديد من التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يزيد من قدرة القوة الدولية المستقبلية على العمل دون مفاجآت ميدانية.
تدريب القوة على فهم تكتيكات حماس
من ضمن المجموعات الأكثر أهمية تلك المتخصصة في الملف الاستخباري، حيث يقدم ضباط الجيش الإسرائيلي يوميًا إحاطات للضباط الأجانب، تشمل شرحًا تفصيليًا لهياكل حماس العسكرية، تكتيكاتها في حرب العصابات، آليات بناء الأنفاق، وتقنيات استخدامها للصواريخ والقنّاصة.
الهدف من هذه الجلسات هو ضمان أن تكون القوة المنتظرة جاهزة للاحتكاك الميداني، ولا تجد نفسها أمام مفاجآت مشابهة لتلك التي واجهها الجيش الإسرائيلي خلال السنة الأخيرة.
المساعدات الإنسانية
ورغم إعلان الولايات المتحدة تولّي مسؤولية الإشراف على المساعدات إلى غزة، إلا أن إسرائيل تبقى الطرف المتحكم فعليًا في دخول الشاحنات عند المعابر، وفي اتخاذ القرارات المتعلقة بالسماح بمواد مزدوجة الاستخدام كالأسمنت والحديد.
هذا الملف يُستخدم لتسهيل قبول الخطة داخل إسرائيل، عبر الإيحاء بأن السيطرة النهائية بيد تل أبيب رغم الدور الأمريكي المتزايد، من بين أكثر الفرق انشغالًا المجموعة التي تضع تصورًا لنمط جديد من الأحياء السكنية في غزة، يناقش أعضاؤها شبكات الكهرباء، مصادر المياه، وطرق التخلص من كميات هائلة من الأنقاض، يُقدر أنها تتراوح بين آلاف وعشرات آلاف الأطنان، كما تُدرس خيارات الربط الكهربائي؛ إما عبر إسرائيل أو عبر مصر، إضافة إلى بحث شبكات الوقود وخطوط المياه.
مستقبل التعليم والإدارة المدنية
تركّز مجموعة أخرى على مستقبل النظام التعليمي في القطاع، وتدرس محتوى المناهج، بل وتذهب إلى حد التخطيط لتدريب أئمة المساجد بهدف تقليل التحريض المحتمل، وفق التصور الإسرائيلي.
وفي ظل نمو سكاني سنوي يفوق 50 ألف شخص، تحاول هذه المجموعة استشراف شكل الإدارة المدنية الفلسطينية القادمة، بين إشراف دولي مباشر أو دعم مؤقت قد يتحول إلى دائم، ويشارك في هذه الآلية الدولية 150 جنديًا إسرائيليًا لضمان عدم المساس بالمصالح الأمنية.
وتظهر تقارير الصحيفة أن الإيطاليين والبريطانيين مهتمون بملف الأنفاق، بينما يركز الدنماركيون والمجريون على المساعدات الإنسانية، في حين يكتسب الأستراليون دورًا لوجستيًا متقدمًا.

العرب مباشر
الكلمات