من داخل إسرائيل.. اتهام رسمي باستهداف الأطفال يشعل الساحة السياسية
من داخل إسرائيل.. اتهام رسمي باستهداف الأطفال يشعل الساحة السياسية

في لحظة بدا فيها أن إسرائيل منشغلة بحربها في غزة، انفجرت داخلها معركة من نوع آخر معركة كلمات حادة، مصدرها من قلب المؤسسة السياسية، تصريح ناري أدلى به نائب رئيس الأركان السابق ورئيس حزب "الديمقراطي الإسرائيلي" يائير غولان، قال فيه: إن "قتل الأطفال بات هواية" لإسرائيل في القطاع المحاصر، وهو ما أشعل عاصفة سياسية لا تهدأ منذ ساعات، التصريح الذي جاء في مقابلة مع هيئة البث الرسمية سرعان ما تحوّل إلى مادة متفجرة استدعت هجومًا عنيفًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزراء اليمين المتطرف، وصولًا إلى رموز المؤسسة الأمنية السابقة.
وبينما دافع غولان عن موقفه معتبرًا أن حكومته الحالية "فاقدة للأخلاق" و"منفلتة من عقالها"، اعتبر خصومه أن أقواله خيانة وطنية تخدم "أعداء إسرائيل"، لم تكن هذه أول مرة يطلق فيها غولان مواقف مثيرة للجدل، لكنها المرة الأشد وقعًا لأنها جاءت وسط حرب دامية، ووسط تساؤلات داخلية تتزايد حول المسار الأخلاقي للعمليات في غزة.
*دولة منبوذة*
أثار السياسي الإسرائيلي المعارض يائير غولان، نائب رئيس الأركان السابق ورئيس حزب "الديمقراطي الإسرائيلي"، زوبعة من الجدل بعد تصريحات اعتبر فيها أن بلاده "تقتل الأطفال كهواية" في غزة، محذرًا من أن إسرائيل باتت على مشارف أن تصبح "دولة منبوذة" دوليًا، على غرار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقًا.
جاءت أقوال غولان في مقابلة متلفزة مع هيئة البث الإسرائيلية (كان)، حيث شنّ هجومًا لاذعًا على الحكومة الإسرائيلية، واصفًا إياها بأنها "تضم أشخاصًا منتقمين يفتقرون إلى الأخلاق والقدرة على الإدارة"، معتبرًا أن الحرب الحالية تُدار بطريقة "تفقد إسرائيل ما تبقى لها من إنسانية واحترام عالمي".
وقال غولان: "الدولة العاقلة لا تشن حربًا على المدنيين، ولا تستهدف الأطفال، ولا تجعل من تهجير السكان هدفًا سياسيًا أو عسكريًا".
وأضاف: أن استعادة الرهائن وإعادة بناء إسرائيل يجب أن يكونا الأولوية، لا مواصلة الحرب بوسائل انتقامية.
*ردود فعل غاضبة من الحكومة*
رد الفعل لم يتأخر، وجاء عنيفًا من رأس الهرم السياسي، فقد أدان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما قاله غولان، واصفًا إياه بـ"السقوط الأخلاقي" الذي لا حدود له. واعتبر نتنياهو أن غولان "يشوّه سمعة الجنود ويحرّض ضد الدولة"، مستنكرًا مقارنته السابقة بين إسرائيل والنظام النازي.
تصريحات غولان قوبلت أيضًا بسيل من الردود الغاضبة من وزراء في الحكومة، أبرزهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي اتهمه بـ"التحالف مع أعداء إسرائيل والمشاركة في حملة دعائية تخدم أجندة حماس".
أما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فقد اتهمه صراحة بـ"التحدث نيابة عن حماس"، وذهب وزير الاتصالات شلومو كاري إلى حد وصفه بـ"الإرهابي".
حتى الأصوات التي تمثل ما تبقى من الوسط السياسي، مثل رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، لم توفر غولان من الانتقاد، وقال: "القاتل الحقيقي للأطفال هو حماس، وليس جيش الدفاع الإسرائيلي".
كما دعا بيني غانتس غولان إلى الاعتذار العلني، محذرًا من أن مثل هذه التصريحات "قد تضع الجنود في مهب الملاحقة الدولية".
*بين الأخلاق والولاء*
يُعرف غولان بمواقفه الجريئة والمثيرة للجدل، وسبق أن أثار ضجة عام 2016 عندما شبّه بعض التوجهات السياسية في إسرائيل بـ"بذور الفاشية الأوروبية".
لكن حديثه هذه المرة جاء في وقت استثنائي، حيث تواجه إسرائيل ضغوطًا دولية متزايدة بسبب ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين في قطاع غزة، وتكثف من عملياتها العسكرية وسط اتهامات أممية بانتهاك القانون الدولي.
يرى مراقبون، أن غولان لم يكن يتحدث فقط من منطلق إنساني، بل من موقع سياسي يستشعر أن إسرائيل تتجه نحو عزلة متزايدة على الساحة العالمية، ما قد يلحق ضررًا إستراتيجيًا طويل الأمد بصورة الدولة وقوتها الناعمة.
*صراع داخلي على صورة الدولة*
من جانبهم، يرى مراقبون، أن في جوهر هذا السجال، يبرز الانقسام العميق داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن طريقة إدارة الحرب في غزة، والحدود الأخلاقية للعمليات العسكرية.
فبينما يرى اليمين أن أي انتقاد في هذا التوقيت هو خيانة أو "طعن في الظهر"، يرى معارضو الحكومة أن الصمت على ما يحدث يعني تآكل القيم التي تأسست عليها الدولة.
وفي وقت ترتفع فيه الأصوات الأممية المطالبة بوقف الحرب، وتحقيقات قد تُفتح في المحكمة الجنائية الدولية، يصبح لكلمات غولان وقع مختلف سواء كانت انعكاسًا لقلق حقيقي على مستقبل إسرائيل، أو فرصة سياسية لمهاجمة الحكومة في لحظة ضعف.
وأضاف المراقبون، أن التصريح، بغض النظر عن النوايا، فتح جبهة جديدة من المعارك داخل إسرائيل، جبهة لا تقل خطورة عن المعارك الجارية في غزة.