من وعد انتخابي إلى مشروع استيطاني.. ترامب ينعش حلم إسرائيل بضم الضفة الغربية
من وعد انتخابي إلى مشروع استيطاني.. ترامب ينعش حلم إسرائيل بضم الضفة الغربية

في زخم التصعيد الإسرائيلي ووسط صمت أميركي يقترب من التأييد، تشهد الساحة السياسية في تل أبيب توافقًا غير مسبوق على خطوة طالما اعتبرت "حلم اليمين"، من خلال فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، لم يعد الأمر مجرد أمنية أو خطابًا انتخابيًا عابرًا، بل أصبح مشروعًا مؤسسيًا تدعمه أحزاب الحكومة والمعارضة على حد سواء، مستندًا إلى ما يعتبره الساسة "فرصة تاريخية" لا تتكرر، عنوانها: " دونالد ترامب"، فالرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض يُنظر إليه في إسرائيل كضامن للمشروع الاستيطاني الكبير، لاسيما بعدما وعد في حملته بإنهاء "الغموض القانوني" حول الضفة لصالح إسرائيل.
وبينما يشتد الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتفعيل القانون الإسرائيلي على الضفة قبل انتهاء الدورة البرلمانية الصيفية، تتصاعد الأصوات العربية والدولية الرافضة، محذرة من انفجار قادم يعصف بما تبقى من عملية السلام الهشة، فهل نشهد ولادة ضم رسمي، أم بداية انفجار سياسي لا يمكن احتواؤه؟
*فرصة ترامب الذهبية*
تسارعت وتيرة الدعوات داخل إسرائيل لضم الضفة الغربية بشكل رسمي، في مشهد يشي بتحول خطير قد يعيد رسم خرائط الصراع في الشرق الأوسط لعقود مقبلة.
فبحسب القناة 14 العبرية، يسود توافق كامل داخل أروقة القرار الإسرائيلي – من الوزراء إلى النواب، ومن أحزاب الحكومة إلى المعارضة – حول ضرورة اغتنام اللحظة السياسية الفريدة التي يمثلها وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض، لدفع مشروع ضم الضفة إلى حيز التنفيذ القانوني.
اليمين الإسرائيلي يعتبر أن عهد ترامب هو "النافذة التاريخية الأخيرة" لحسم مسألة السيادة على الضفة الغربية.
فالرئيس الأميركي سبق أن أبدى تأييده لهذا التوجه منذ حملته الانتخابية، وكرره في عدة مناسبات، في ظل غياب أي ضغط دولي فعلي أو اعتراض واضح من واشنطن.
*الليكود يقود الحملة*
مع اقتراب موعد اجتماع مرتقب بين نتنياهو وترامب، وجّه وزراء حزب الليكود – بمن فيهم رئيس الكنيست – رسالة موحدة إلى رئيس الوزراء، يطالبونه فيها بتطبيق القانون الإسرائيلي على أراضي الضفة الغربية خلال الدورة الحالية للكنيست، التي تنتهي قريبًا.
الرسالة جاءت ضمن حملة منسقة يقودها الجناح اليميني الحاكم، ويعتبر أن تسوية وشيكة في قطاع غزة تتيح الفرصة المثالية لترجمة هذا المشروع على أرض الواقع.
وتشير مصادر إعلامية إسرائيلية، أن هذا الضغط ينبع أيضًا من هاجس انهيار محتمل للائتلاف الحكومي إذا لم يتحقق "مكسب سياسي كبير"، خصوصًا في حال تم تمرير صفقة تبادل أسرى مع حماس تتضمن وقفًا لإطلاق النار.
ويرى قادة الليكود، أن ضم الضفة، أو على الأقل الإعلان عنه، قد يُرضي قواعدهم الانتخابية الغاضبة، ويحول دون انشقاقات سياسية أو تصدعات في الحكومة.
*المعادلة الفلسطينية الغائبة.. والغضب العربي الحاضر*
في مقابل الحماسة الإسرائيلية، تتعالى التحذيرات من العالم العربي والمجتمع الدولي. فوزارات خارجية في دول عدة – أبرزها مصر – عبّرت عن رفضها التام لما وصفته بـ"سياسة فرض الأمر الواقع"، معتبرة أن أي خطوة باتجاه ضم الضفة تمثل انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي، ونسفًا كاملاً لفكرة إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.
وحذّرت القاهرة من أن تطبيق "السيادة الإسرائيلية" على أراضي الضفة من شأنه أن يبدد آمال الحل السياسي المستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها مبدأ الدولتين، الذي حدد حدود 1967 كأساس لأي تسوية مقبولة.
من جهتها، شددت عدة دول أوروبية على أن خطوة كهذه لن تمر دون عواقب دبلوماسية واقتصادية على إسرائيل، مطالبة واشنطن بكبح جماح حليفتها وعدم تكرار سيناريو الجولان أو القدس، حيث اعترفت إدارة ترامب السابقة بسيادة إسرائيل، خلافًا للإجماع الدولي.
*مخاطر سياسية داخلية في إسرائيل*
رغم أن فكرة الضم تحظى بقبول شعبي نسبي داخل إسرائيل، فإن بعض التحليلات الإسرائيلية حذّرت من مغبة التسرع في فرض السيادة، لا سيما إذا رُبطت هذه الخطوة بمقترح إقامة دولة فلسطينية.
فوفقًا لتقديرات صحفية إسرائيلية، فإن الحديث عن دولة فلسطينية – حتى نظريًا – قد يسبب شرخًا داخل اليمين، ويهدد استقرار الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو.
كما أبدت جهات أمنية تخوفها من أن يؤدي الضم الرسمي إلى اندلاع موجة عنف جديدة في الضفة، تعيد إسرائيل إلى مربع المواجهة المفتوحة مع الفلسطينيين، وتفتح جبهة دولية من الانتقادات والعقوبات.
*بين الحسابات الانتخابية والمصير الإقليمي*
من جانبه، يرى المحلل السياسي سهيل دياب المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أن الحملة الإسرائيلية الحالية لضم الضفة الغربية تمثل ذروة مشروع استيطاني طويل الأمد، لكنه يحذر من أن الظرف السياسي الذي تعتبره إسرائيل "فرصة تاريخية"، قد يتحول إلى فخ استراتيجي يهدد استقرارها الإقليمي والدولي.
ويقول دياب في حديثه لـ"العرب مباشر"، ما يحدث ليس مجرد توافق داخلي، بل لحظة اختبار حقيقية لقدرة إسرائيل على فرض أمر واقع مدعوم أميركيًّا، دون أن تترتب عليه كلفة سياسية وأمنية باهظة".
ويضيف أن التعويل على دعم ترامب "مجازفة محسوبة من قبل اليمين الإسرائيلي"، لكنها تفتقر إلى إدراك تحولات الرأي العام العالمي، وعودة التوتر إلى الخطاب الأوروبي بشأن القانون الدولي.
كما يشير دياب، أن "نتنياهو يُوظّف ملف الضم للنجاة من أزماته الداخلية، وتثبيت زعامته ضمن ائتلاف هش"، لكنه يُذكّر بأن أي تطبيق فعلي للسيادة في الضفة الغربية سيصطدم بجدارين: الأول فلسطيني مقاوم، والثاني دولي رافض.
ويختم بالقول: "حتى لو حصلت إسرائيل على موافقة أميركية، فإن الثمن سيكون باهظًا على المدى البعيد، وسيدفع الفلسطينيون والإسرائيليون معًا فاتورة انفجار قادم قد لا تُحمد عقباه".
من جهته، يقول د. طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة: إن التوافق السياسي داخل إسرائيل حول ضم الضفة الغربية لا يُعبّر فقط عن نوايا يمينية متطرفة، بل يُعكس تحوّلًا استراتيجيًّا في الفكر السياسي الإسرائيلي نحو تصفية القضية الفلسطينية من بوابة "فرض السيادة".
ويقول فهمي لـ"العرب مباشر": نتنياهو لا يتحرك فقط بدوافع انتخابية داخلية، بل يعتمد على إدراكه أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تمنحه نافذة ضوء لتنفيذ ما كان مستحيلًا خلال الإدارات السابقة.
ويؤكد، أن "الغطاء الأميركي المحتمل يشجع إسرائيل على خطوات أكثر جرأة، لكنّ ذلك لا يلغي أن الضم، إذا تم، سيكون له ارتدادات خطيرة على مجمل الملف الفلسطيني".
ويرى أن العالم العربي مطالب اليوم بتجاوز بيانات الإدانة التقليدية، والتوجه نحو حراك دبلوماسي جماعي يُفعّل أدوات الضغط السياسي والاقتصادي، بما في ذلك العلاقات مع واشنطن.
كما يشير فهمي إلى أن تطبيق السيادة على الضفة لن يُنهي الصراع كما تتوهم بعض الأوساط الإسرائيلية، بل سيعيده إلى نقطة الغليان، وربما يولد انتفاضة جديدة بوجه الاحتلال.
ويختم بقوله: "يجب التعامل مع الأمر باعتباره لحظة مفصلية، وعلى العواصم العربية التحرك سريعًا لقطع الطريق أمام هذا المشروع التوسعي قبل أن يتحول إلى واقع دائم".