المجاعة تحاصر اليمن من جديد.. 6 ملايين شخص في خطر والتمويل الدولي يتراجع
المجاعة تحاصر اليمن من جديد.. 6 ملايين شخص في خطر والتمويل الدولي يتراجع

وسط صمت دولي ثقيل ووعود إنسانية تتآكل بمرور الوقت، يعود شبح المجاعة ليخيّم على اليمن المنهك بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب والتهجير والانهيار الاقتصادي، في بلد تحوّل إلى حقل أزمات متعددة، تحذر الأمم المتحدة من مرحلة كارثية وشيكة قد تدفع ملايين اليمنيين نحو الجوع الحاد وانعدام الأمن الغذائي، في وقت تتضاءل فيه قدرة المجتمع الدولي على الوفاء بتعهداته، ومع فشل خطة الاستجابة الإنسانية في جمع التمويل الكافي، تجد الأسر اليمنية نفسها عالقة في متاهة البؤس، حيث لا دواء ولا غذاء ولا تعليم، ما يزيد الطين بلة، هو استمرار الصراع الاقتصادي بين الحكومة والحوثيين وتصعيد ميليشيا الحوثي ضد المجتمع الدولي وفتح جبهات للصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعودة الكوليرا إلى الواجهة مع موسم الأمطار. إن ما يجري في اليمن اليوم لا يعدو كونه مأساة صامتة تتراكم فيها مؤشرات الكارثة، وسط عجز أممي متزايد وسكوت إقليمي ودولي مريب.
*مجاعة وشيكة*
في أحدث بياناتها، أطلقت الأمم المتحدة، عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، جرس الإنذار من تفاقم معدلات الجوع في مختلف أنحاء اليمن، محذّرة من أن ما يقرب من 6 ملايين شخص يواجهون خطر المجاعة الوشيكة في حال فشل خطة الاستجابة الإنسانية في الحصول على التمويل المطلوب.
تشير التقديرات الدولية، أن نحو 17.1 مليون يمني يعانون من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، بينهم أكثر من 5 ملايين يواجهون ظروفًا طارئة تنذر بالانزلاق إلى المرحلة الخامسة وهي مرحلة "الكارثة" وفق التصنيف الدولي لانعدام الأمن الغذائي.
ويأتي هذا التحذير في وقتٍ يشهد فيه اليمن تصعيدًا متجددًا للأزمة الاقتصادية، مع تعمق الانقسام النقدي بين المناطق الخاضعة للحكومة وتلك التي تسيطر عليها جماعة الحوثي.
فبينما تعاني الحكومة من عجز مالي خانق، لجأ الحوثيون إلى طباعة عملات نقدية جديدة دون غطاء اقتصادي حقيقي؛ ما أدى إلى انهيار إضافي في القدرة الشرائية لليمنيين، ورفع أسعار السلع الأساسية إلى مستويات خيالية.
ومنذ أبريل 2022، تعيش البلاد حالة من التهدئة العسكرية غير المعلنة، إلا أن معاناة اليمنيين لم تتوقف، فالبنى التحتية الصحية منهارة، والمرافق التعليمية بالكاد تعمل، بينما تعاني المستشفيات من نقص مزمن في الأدوية والكوادر، مع إغلاق مئات المراكز الصحية بسبب غياب التمويل.
*أرقام مؤلمة*
تشير الأمم المتحدة، أن هناك نحو 2.4 مليون طفل، و900 ألف امرأة حامل ومرضعة، مهددون بأمراض مرتبطة بسوء التغذية، ما يعرضهم لمخاطر تأخر النمو والوفاة، ويؤثر في إنتاجيتهم المستقبلية.
وفي حال توقف برامج الدعم الصحي، فإن أكثر من 700 مركز صحي معرض للإغلاق، ما سيحرم ملايين من الحصول على خدمات الرعاية الأساسية.
إلى جانب ذلك، يُحرم أكثر من 4.5 مليون طفل من التعليم النظامي بسبب النزوح وتردي الخدمات، مع اضطرار مليون و300 ألف طفل نازح للالتحاق بفصول مكتظة لا تتوفر فيها أدنى مقومات التعليم.
ولا يقف الأمر عند نقص الغذاء والتعليم، بل يتعداه إلى تفشي الأمراض المعدية، مثل الكوليرا، الحصبة، وشلل الأطفال، نتيجة تدهور نظام الصرف الصحي، وشح المياه النظيفة، وغياب حملات التلقيح المنتظمة، ما يعرض 1.7 مليون طفل لخطر جسيم.
كما أن غياب خدمات المأوى والمواد غير الغذائية لأكثر من 1.7 مليون نازح، يزيد من احتمالية تعرضهم لمخاطر الحماية، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي، وسوء المعاملة، والتهميش المجتمعي.
والأسوأ أن خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2025 لم يُموَّل منها سوى أقل من 10% حتى الآن، رغم الدعوات المتكررة من قبل الأمم المتحدة والجهات الإنسانية الميدانية لإنقاذ البلاد من كارثة محققة.
*مختطفين داخل عاصمتنا*
في هذا السياق، يسود تخوف واسع من أن تتحول بعض المناطق اليمنية إلى بؤر "مجاعة مكتملة"، إن لم تتدخل الدول المانحة بشكل عاجل، إذ بات أكثر من مليون يمني يعانون من أمراض غير معدية كأمراض القلب والسكري، ويجدون صعوبة متزايدة في الوصول إلى الأدوية أو الرعاية الطبية، وفي ظل هذه المعطيات، حذر منسق الأمم المتحدة في اليمن جوليان هارنيس من أن عدم الوفاء بالتزامات التمويل سيفاقم الأزمة، ويفاقم معها اليأس والغضب الشعبي، ما قد يؤدي إلى تجدد موجات النزوح أو اندلاع أعمال عنف في مناطق جديدة.
من جانبه، يقول محمد القاضي، موظف حكومي في العقد الرابع من عمره ويعيش في أحد أحياء صنعاء القديمة: إن الحياة أصبحت لا تطاق في ظل سيطرة الحوثيين، الذين لا يكتفون بفرض واقع أمني خانق، بل يضاعفون معاناة الناس عبر سياسات اقتصادية كارثية.
وأضاف في حديثه لـ"العرب مباشر"، لم نستلم رواتبنا منذ أكثر من ثلاث سنوات، وأصبحت أعتمد على عمل بسيط في السوق لشراء أقل القليل من الطعام، ويضيف: "كل شيء ارتفع سعره، حتى الخبز لم يعد في متناول الجميع، الحوثيون يطبعون نقودًا جديدة، بينما لا قيمة لها في الأسواق، وأصحاب المحلات يرفضون التعامل بها، أما المواد الغذائية فإما غائبة أو تباع بأسعار خيالية.
يتحدث القاضي عن غياب أي خدمات حقيقية: "لا توجد مياه نظيفة، ولا كهرباء، والمستشفيات تطلب منا شراء الإبرة والقطن وحتى الأوكسجين"، ويؤكد أن "الوضع يزداد سوءًا، فيما الإعلام الحوثي يتحدث عن إنجازات وهمية وتبرعات للحرب، بينما المواطن لا يجد ما يسد رمق أطفاله".
وختم قائلاً: "نحن مختطفون داخل عاصمتنا، لا أحد يسمعنا، ولا أحد ينقذنا، نعيش في الظل، نقتات على الصبر ونتنفس الانكسار كل يوم".