البحرين تفتح بوابة المتوسط نحو الخليج.. ميلوني تدعو إلى قمة دورية وتوسيع شراكات الطاقة
البحرين تفتح بوابة المتوسط نحو الخليج.. ميلوني تدعو إلى قمة دورية وتوسيع شراكات الطاقة
في مشهد سياسي يعكس التحولات الواسعة في خريطة العلاقات الدولية، استضافت البحرين قمة خليجية–إيطالية جاءت لتعلن بوضوح أن شراكة الجانبين دخلت مرحلة جديدة تتجاوز حدود المجاملات الدبلوماسية نحو هندسة تحالفات طويلة الأمد، فبينما تتسارع التوترات في الإقليم وتتبدل أولويات القوى الكبرى، باتت دول الخليج تبحث عن مسارات أكثر تنوعًا في علاقاتها الغربية، فيما تسعى روما لاستعادة موطئ قدم مؤثر في شرق المتوسط والخليج بعد سنوات من انشغال أوروبا بأزماتها الداخلية، ومن منصّة القمة، بدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني حاملة لرؤية تتجاوز الحوار السياسي التقليدي، نحو بناء منصة تعاون دائمة تربط المتوسط بالخليج، وتفتح طريقًا جديدًا للطاقة والتجارة والأمن المشترك.
القمة لم تكن مجرد مناسبة بروتوكولية، بل محاولة لإعادة رسم خطوط الاتصال بين ضفتي المتوسط في لحظة إقليمية دقيقة تشهد تحديات متصاعدة تتعلق بالأمن، والطاقة، ومسارات النزاعات المفتوحة.
قمة خليجية - إيطالية
احتضنت العاصمة البحرينية المنامة، على هامش الدورة السادسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، قمة خليجية–إيطالية اعتُبرت خطوة فارقة في مسار التقارب بين الجانبين.
فالقمة، التي جاءت وسط بيئة إقليمية متوترة وتنافس دولي متصاعد، أعادت التأكيد على أهمية صياغة إطار تعاون طويل الأمد بين الخليج وإيطاليا التي باتت تنظر إلى المنطقة بوصفها مركزًا استراتيجيًا لتأمين احتياجاتها من الطاقة وتوسيع حضورها الاقتصادي والسياسي.
في كلمتها أمام القمة، أكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن العلاقات الخليجية–الأوروبية، وتحديدًا مع إيطاليا، تشهد نموًا مستمرًا في مجالات التجارة والاستثمار والأمن، لكنها شددت على ضرورة الارتقاء بهذا التعاون إلى بنية مؤسسية أكثر استدامة، مقترحة عقد قمة دورية بين دول الخليج العربية ودول البحر المتوسط، مع استعداد بلادها لاستضافة أولى دوراتها، هذا المقترح مثّل أحد أهم مخرجات القمة، إذ يعكس رغبة ميلوني في توسيع دور بلادها داخل فضاء سياسي–اقتصادي يمتد من جنوب أوروبا إلى آسيا عبر الخليج.
وذهبت ميلوني إلى ما هو أبعد من ذلك حين دعت إلى إنشاء منصة مشتركة تُعنى بمواجهة التحديات المتصاعدة في المنطقة، وعلى رأسها أمن الطاقة، مكافحة الإرهاب، والتعامل مع تداعيات الأزمات الإقليمية التي باتت تتجاوز الحدود التقليدية للدول.
وأوضحت، أن «ربط الشرق بالغرب» لم يعد مجرد شعار سياسي، بل ضرورة فرضتها التحولات الجيوسياسية الكبرى، بدءًا من صعود آسيا كقطب اقتصادي، وصولًا إلى الأزمات المتلاحقة التي تواجهها أوروبا، خصوصًا في ملف الطاقة عقب التحولات الدولية الجارية.
الملف الإيراني
في السياق ذاته، تطرقت ميلوني إلى الملف الإيراني، مؤكدة أهمية التوصل إلى اتفاق موثوق يطمئن المجتمع الدولي بشأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني، بما يعزز الأمن الإقليمي ويمنع انفجار أزمات جديدة.
ومن خلال هذا الطرح، حاولت روما أن تؤكد حضورها في واحد من أكثر الملفات حساسية في الشرق الأوسط، بما ينسجم مع رغبتها في لعب دور دبلوماسي أكثر تأثيرًا داخل الإقليم.
من جانبه، أكد الأمين العام لمجلس التعاون جاسم محمد البديوي أن العلاقات بين دول الخليج وإيطاليا تمتد جذورها لعقود، وتستند إلى مصالح استراتيجية مشتركة، خصوصًا في مجالات الأمن، مكافحة الإرهاب، وتطوير العلاقات التجارية. وأشار إلى أن تطور هذه العلاقات جاء مواكبًا للتحولات الإقليمية والدولية التي تفرض على الجانبين المزيد من التنسيق والعمل المشترك.
وتكتسب القمة الخليجية– الإيطالية أهميتها من توقيتها، إذ تأتي بينما تواجه المنطقة مجموعة من المخاطر التي تشمل اضطراب ملفات الطاقة، تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وتزايد الحاجة إلى أطر تعاون دولية فعالة قادرة على التعامل مع الأزمات الممتدة.
وقد مثلت القمة، وفق مراقبين، فرصة لإعادة بناء جسور جديدة بين دول الخليج وإيطاليا في سياق المنافسة الأوروبية على النفوذ في المنطقة.
كما جاءت القمة بالتزامن مع سلسلة قمم خليجية نشطة شهدها العام الجاري، من بينها القمة الاستثنائية في الدوحة، والقمة الخليجية–الآسيان–الصينية في كوالالمبور، إضافة إلى القمة الخليجية–الأمريكية الخامسة بالرياض بمشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبذلك ارتفع عدد القمم الخليجية منذ عام 1981 إلى 80 قمة، بينها 46 قمة اعتيادية و18 تشاورية و5 استثنائية، في مؤشر يعكس ديناميكية العمل الخليجي وقدرته على بناء شراكات واسعة تمتد من واشنطن إلى آسيا وأوروبا.
وتشير قراءة أوسع لمخرجات قمة البحرين إلى وجود توجه خليجي نحو تنويع الشراكات الدولية، وعدم الاكتفاء بالمظلة التقليدية للعلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وفي هذا الإطار، تبدو إيطاليا شريكًا مناسبًا ضمن سياسة التوازنات التي تنتهجها دول الخليج، خاصة مع تطلع روما لتعزيز موقعها داخل المشهد المتوسطي، ومنافسة قوى أوروبية كفرنسا وألمانيا على بناء علاقات أعمق مع الخليج.
ومع تصاعد أهمية ملفات الطاقة والاقتصاد الرقمي والاستثمار في البنية التحتية، يتوقع أن يشهد التعاون الخليجي–الإيطالي تمددًا في السنوات المقبلة، خصوصًا إذا ما نجحت منصة التعاون المقترحة في التحول إلى إطار دوري يجمع الطرفين لمناقشة الأمن، التجارة، الطاقة، والتحديات العابرة للحدود.
وبذلك، تبدو القمة خطوة أولى نحو هندسة مسار جديد يستند إلى المصالح المتبادلة ويمنح كل طرف مساحة أوسع لتعزيز دوره الإقليمي.

العرب مباشر
الكلمات