المغتربون يعانون.. "كورونا" تحاصرهم حول العالم والانهيار الاقتصادي يهدد حياتهم

المغتربون يعانون..
صورة أرشيفية

يعاني المغتربون عمومًا والعرب خصوصًا في بلاد الغربة من أزمة "كورونا" التي حاصرتهم تمامًا فمنعتهم من العودة إلى بلادهم وفي الوقت نفسه لم تترك لهم فرص العمل متاحة فأصبحوا كالمغترب كالمنفي الذي لا يجد من يوفر له طعامه أو شرابه ولا يسمح له أيضًا بمحاولة توفيرهم، وانعكس هذا على عدد من الدول العربية التي تعتمد في جزء كبير من اقتصادها على الدولارات التي يقوم المغتربون بتحويلها إلى ذويهم شهريًا في تحسين الموقف المالي للدولة والحصول على دولارات تدعم القطاعات الاقتصادية المتأثرة بشدة من تداعيات تفشي فيروس "كورونا" وما صاحبه من انهيارات وتعطل في مختلف القطاعات الاقتصادية.
 
المغتربون دائمًا في وجه المدفع.. الأزمات الاقتصادية تضربهم أولًا


تقارير دولية أكدت حسب آخِر الإحصائيات أن أبرز المتأثرين دائمًا في أي أزمة اقتصادية قد تحدث في العالم، هم العاملون في الخارج، خاصة وأن تحويلاتهم المالية إلى بلدانهم الأصلية تمثل مصدرًا هامًّا للعملة الصعبة في تلك البلاد، موضحة أن أزمة كورونا الحالية، ليست أزمة نابعة من مشاكل اقتصادية، مثل تلك التي حدثت خلال عامي 2007 و2008، إلا أن تداعياتها تفوق الأزمة السابقة خاصة فيما يتعلق بالعاملين بالخارج بشكل هائل وغير مسبوق، في ظل توارد الأنباء عن تسريح الشركات والمؤسسات للموظفين بأكبر الدول الحاضنة للأجانب في محاولة لوقف نزيف الخسائر وتعويض مليارات الدولارات التي فقدتها تلك الشركات بسبب تعطل حركة الطيران بين الدول وبقاء الناس في منازلهم لمدة شهور، ورغم عودة معظم الدول لإعادة الحياة تدريجيًا إلا أن القوة الشرائية وتواجد الناس لن يعود كالسابق لأن هناك مئات الملايين يدركون جيدًا أن الفيروس لم يختفِ ولم يظهر له علاج حتى الآن وأن إعادة الحياة ما هو إلا قرار اقتصادي فلا زالوا محتفظين بتخوفاتهم وبرغبتهم في الانعزال وتعطيل الحياة.


ووفقا لبيانات صادرة عن البنك الدولي، فإن تحويلات العاملين في الخارج من المتوقع أن تتراجع بنحو 20% العام الجاري، وأحد أكبر الانخفاضات سيكون في مناطق مثل أوروبا، وآسيا الوسطى، وإفريقيا جنوب الصحراء.
 

تداعيات "كورونا" الاقتصادية تفوق أزمة 2008 بعدة أضعاف


بيانات وإحصائيات صادرة عن عدة مؤسسات دولية أشارت إلى تراجع تحويلات العاملين المغتربين إلى بلدانهم بشكل كبير منذ بداية الأزمة، لعدة أسباب مختلفة، منها قيام شركاتهم بتسريحهم وفقدانهم لمصادر دخلهم، وآخرون لصعوبة التحويلات وزيادة النفقات والالتزامات في البلد التي يعيش فيها.


وتشير تلك النسب إلى أن تراجُع تحويلات العاملين المغتربين إلى بلدانهم، ستكون أكبر بكثير من معدل تراجعها في 2009 أثناء الأزمة المالية السابقة، والتي شهدت فيها مناطق مثل أوروبا ووسط آسيا تراجعا نسبته 15% فقط، مقابل تراجع متوقع العام الجاري نسبته 28%.


ومن المتوقع أن تتراجع التحويلات إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 23%، مقارنة بصفر% في عام 2009، وتفصيلا، من المتوقع أن تتراجع التحويلات إلى دول شرق آسيا والمحيط الهادئ بنسبة 13% هذا العام، مقابل 5% في 2009، ومن المرجح أن تتراجع التحويلات إلى أميركا اللاتينية والكاريبي بنسبة 19% مقابل 11% في 2009، أما بالنسبة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فمن المتوقع أن تتراجع التحويلات بنسبة 20% مقابل 6% في الأزمة الماضية، أما بالنسبة لدول جنوب آسيا، فستتراجع تحويلاتهم بنسبة 22% مقابل ارتفاع بنسبة 5% في خلال الأزمة المالية العالمية الماضية.
 

العالم يشهد أكبر انخفاض حادّ في دخل الفرد منذ سبعينيات القرن التاسع عشر


في السياق نفسه، كشفت الدراسات عن أن المغتربين سيواجهون أزمة مع اضطرارهم للعودة إلى بلادهم والبحث عن فرصة عمل، فمع غياب فرص العمل في الخارج، سيحاول كل منهم العودة إلى بلاده التي أيضًا تعاني اقتصاديًا بشدة وفقد سكانها ملايين الوظائف مما سيضاعف نسب البطالة عالميًا.


من جانبها، صرحت نائبة الأمين العامّ للأمم المتحدة أمينة محمد، في منتدى دولي، بأن العالم لا يستطيع العودة إلى الوضع الطبيعي السابق بعد تقديم الاستجابات الاجتماعية والاقتصادية وسط جائحة فيروس كورونا، مضيفة أنه يجب أن نضع في اعتبارنا خطورة الوضع. إن العودة إلى الحياة الطبيعية في بعض المناطق يجب ألا تخدعنا إلى شعور زائف بالأمان.
وأشارت إلى أن عديدًا من البلدان تشهد أسوأ انتشار للوباء الآن، وتقدر منظمة العمل الدولية أنه يمكن فقدان 300 مليون وظيفة، وهو رقم يزيد 15 مرة عن فقدان الوظائف الذي حصل خلال الأزمة المالية عام 2008.


وحتى الآن، أصاب الفيروس التاجي أكثر من 9 ملايين شخص، وقتل أكثر من 472 ألفًا على مستوى العالم، وبحسب ما ورد، قدر البنك الدولي أنه يمكن دفع 70 إلى 100 مليون شخص إلى براثن الفقر المدقع، ويمكن للعالم أن يشهد أكبر انخفاض حادّ في دخل الفرد منذ سبعينيات القرن التاسع عشر.


وأوضحت أن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة حذر كذلك من أن 265 مليون شخص قد يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحادّ بحلول نهاية العام، وهو ضعف العدد المعرض للخطر قبل الأزمة، مضيفة أن أزمة كورونا جعلت أهداف التنمية المستدامة أكثر أهمية وحيوية من أي وقت مضى. إن الأزمة تذكير صارخ بأن أي تعافٍ يفشل في معالجة أسباب ضعفنا الحالي يحكم علينا بأزمات أكثر حدة في المستقبل.
 

حتى الآن نعيش تحت رحمة "كورونا" ولا نعرف إلى أين سيلقي بنا؟!


يقول محمد عادل، 40 عامًا، مصري يعمل ويعيش في الولايات المتحدة الأميركية، أفكر جديًا في العودة إلى مصر فحتى الآن لم أحصل على الجنسية الأميركية وأصبحت فرصي ضئيلة للغاية في إيجاد فرصة عمل وحياة مناسبة، أميركا هي أكثر الدول تضررًا حتى الآن ولم يشفع لاقتصادها أنه الأضخم في العالم، وخلال تلك الشهور البسيطة التي مرت لمسنا جميعًا صعوبة استمرار الوضع وصعوبة الحياة مع اضطرار معظم الشركات والمؤسسات لتسريح أكثر من 25% من عدد العاملين بها، رغم تزايد متطلبات الحياة فبجانب المسكن والمأكل والاحتياجات الأساسية أضيف على كاهلنا تحمل عبء توفير مواد الوقاية الصحية من مطهرات وكمامات وغيرها، وإذا تعرض أحدنا حاليًا للإصابة بفيروس كورونا، فلن يستطيع تحمل تكاليف علاجه بسبب ارتفاع تكلفة علاج كل مَن لا تشمله مظلة التأمين الصحي في أميركا بشكل يفوق طاقة أي شخص مهما كانت وظيفته.


وأضاف، الأزمة الحقيقية أن الجميع يدرك أن الأوضاع لا تختلف كثيرًا من دولة لأخرى، فجميع الاقتصاديات تأثرت بشدة والتدهور ضرب كافة قطاعاتها، مما يجعلنا نتردد كثيرًا قبل العودة لبلادنا، فالبلد الأقوى والأغنى في العالم لا تستطيع الصمود فكيف بدولة واجهنا فيها صعوبات في الظروف الطبيعية ووجدنا أنفسنا مضطرين للسفر للبحث عن فرصة عمل تكفل لنا حياة كريمة.


وتابع، عائلتي في مصر تنصحني بالبقاء في الولايات المتحدة بسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية رغم صمود الدولة حتى الآن، فرغم الصمود إلا أن ذلك لا يعني أن الاقتصاد لم يتضرر خاصة أن مصر كانت في مرحلة الخروج من أزمات متلاحقة ومرحلة بناء تحتاج لانتباه والعمل بلا راحة، حتى الآن الأمور غامضة ولا نعرف إلى أين سيمضي بنا فيروس كورونا وتوابعه.
 
نعيش في أزمة غير مسبوقة.. وتداعيات كورونا الاقتصادية تفوق خطر الفيروس نفسه


في السياق نفسه، يقول "هاشم رسلان"، 39 عامًا لبناني يعمل في قطر، أدركنا جميعًا مع طول الوقت الذي قضيناه في محاولة حصار كورونا والقضاء عليه، أن تداعيات الفيروس القاتل الاقتصادية أخطر كثيرًا من احتمالات الإصابة به، فرغم أنه حتى الآن لا يوجد علاج نهائي ومباشر للفيروس إلا أن الجميع يدرك أن بعد الأدوية البسيطة ودعم المناعة يجعلونك قادرًا على هزيمة الفيروس بسهولة، ولكن الانهيار الاقتصادي الذي جاء في أعقاب اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمحاصرة الفيروس لا يوجد لها حل واضح ومباشر حتى الآن ولا حتى حلول وسط.


وتابع "رسلان"، ننتظر حتى تعود حركة الطيران لطبيعتها ونرى ما هي أقل البلاد تضررًا وسأذهب إليها فبعض زملائي من المغتربين قرروا العودة إلى بلدانهم ولكني أدرك جيدًا أن الوضع في لبنان تفاقم ولم يعد يصلح للمعيشة بشكل غير مسبوق.


وأضاف، في البداية قامت المؤسسة التي أعمل بها بإخطاري أن الرواتب تم تخفيضها بنسبة 50%، وبعدها قاموا بتسريح عدد كبير من العاملين بلا تعويضات ومن يعترض يتعرض لقمع شديد، وأجبرونا على أداء ضعف ما كنا نقدمه من عمل بنصف الأجر، ورغم ذلك لا نزال مهددين بالتسريح فجأة مع تدهور الأوضاع بشكل جعل الحكومة عاجزة عن تقديم يد المساعدة للشركات والمؤسسات المتضررة، خاصة أننا نرى بأنفسنا مؤسسات تابعة للأسرة الحاكمة في قطر ويتم تسريح العاملين بها دون رحمة بسبب أزمة السيولة والأزمات الاقتصادية المتلاحقة.