روسيا تُحكم قبضتها على كورسك وتُبعد القوات الأوكرانية نحو الحدود
روسيا تُحكم قبضتها على كورسك وتُبعد القوات الأوكرانية نحو الحدود

أعلن الجيش الروسي، اليوم الثلاثاء، أنه تمكن من طرد القوات الأوكرانية من مستوطنة "غوييفو" الواقعة في منطقة كورسك الحدودية مع أوكرانيا، في وقت أكد فيه تنفيذ ضربات جوية ومدفعية مكثفة على مواقع القوات الأوكرانية عبر الحدود، في تصعيد جديد للمواجهات العسكرية بين الطرفين، حسبما نقلت وكالة "رويترز" الإخبارية الدولية.
الاستراتيجية الروسية
وفي بيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع الروسية، أفادت السلطات بأن قواتها المسلحة واصلت عملياتها العسكرية ضد التشكيلات الأوكرانية داخل الأراضي الروسية في منطقة كورسك، مؤكدة استعادة السيطرة الكاملة على مستوطنة "غوييفو".
واعتبرت الوزارة، أن هذه العمليات تندرج في إطار خطة مستمرة لطرد القوات الأوكرانية من المناطق الحدودية الروسية.
كما أشار البيان، أن القوات الروسية نجحت في إلحاق الهزيمة بوحدات أوكرانية أخرى في محيط مستوطنتين إضافيتين، دون الكشف عن أسمائهما.
ولم يتسن لوكالة رويترز التحقق من صحة هذه المزاعم ميدانيًا، في ظل استمرار التعتيم الإعلامي والقيود المفروضة على الصحافة المستقلة في مناطق النزاع.
تحول ميداني
وأضافت الوكالة الدولية، أنه منذ أغسطس من العام الماضي، سعت روسيا إلى استعادة المناطق التي تسللت إليها القوات الأوكرانية بشكل مفاجئ داخل منطقة كورسك، في عملية عسكرية وُصفت حينها بأنها أحرجت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهدفت من الجانب الأوكراني إلى تعزيز أوراق الضغط في أي مفاوضات محتملة مستقبلية.
غير أن موسكو تمكنت خلال الأشهر الأخيرة من استعادة أجزاء واسعة من تلك المناطق؛ مما دفع بالقوات الأوكرانية إلى التراجع نحو الحدود.
وعلى الجانب المقابل، بدأت القوات الروسية في التقدم باتجاه منطقة سومي الأوكرانية المجاورة، وذلك بعد تصريحات لبوتين أشار فيها إلى إمكانية إنشاء "منطقة عازلة" لتأمين الحدود الروسية من الهجمات الأوكرانية المتكررة.
تقلص المساحات
ووفقًا لبيانات خريطة الحرب التابعة لمنصة "ديب ستيت" الأوكرانية، المعروفة بتحليلها العسكري المفصل، باتت أوكرانيا تسيطر حاليًا على نحو 58 كيلومترًا مربعًا فقط داخل منطقة كورسك الروسية، وهي مساحة تقل بشكل كبير مقارنة بما كانت تسيطر عليه قبل عام، عندما أعلنت كييف أن قواتها تُحكم قبضتها على ما يصل إلى 1,400 كيلومتر مربع في ذات المنطقة.
وأكدت الوكالة الدولية، أن هذا الانكماش في نطاق السيطرة الأوكرانية يعكس تغيرًا في ميزان القوى على الجبهة الشمالية الشرقية، مع سعي موسكو إلى استعادة المبادرة الميدانية وتحصين حدودها ضد أي توغل مستقبلي.
تحركات موازية
وفي سياق متصل، كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد أكد، ولأول مرة يوم الإثنين، أن قوات بلاده تنشط كذلك في منطقة بيلغورود الروسية المجاورة، في خطوة تشي بتوسيع نطاق العمليات الأوكرانية عبر الحدود بهدف تشتيت جهود الجيش الروسي.
وفي هذا الإطار، نقلت وكالة الأنباء الروسية الرسمية "ريا نوفوستي" عن القائد الروسي أبتي ألاودينوف، قوله: إن الوضع في بيلغورود بات "تحت السيطرة" بعد أن حاولت القوات الأوكرانية اختراق الحدود قبل نحو أسبوعين، في محاولة جديدة لإرباك الدفاعات الروسية ودفعها إلى إعادة توزيع قواتها.
دلالات سياسية وعسكرية أوسع
ويأتي هذا التصعيد في وقت حساس تمرّ فيه الحرب الروسية الأوكرانية بمنعطف استراتيجي، خاصة في ظل استمرار الخلافات السياسية حول دعم أوكرانيا عسكريًا من قبل بعض حلفائها الغربيين، وتزايد الضغط على كييف لإظهار نتائج ملموسة على الأرض.
ويرى مراقبون، أن ما يجري في مناطق كورسك وبيلغورود يمثل تجليًا لصراع استنزاف طويل الأمد بين موسكو وكييف، حيث يسعى كل طرف إلى تحقيق اختراق ميداني يُترجم إلى مكاسب سياسية، سواء على طاولة التفاوض أو في ميزان الرأي العام المحلي والدولي.
حرب حدود
تُظهر المعطيات الحالية أن الحرب لم تعد مقتصرة على الأراضي الأوكرانية، بل بدأت تنتقل تدريجيًا إلى الداخل الروسي، عبر عمليات نوعية تشنها القوات الأوكرانية خلف الخطوط، في محاولة لقلب المعادلة أو على الأقل إثبات قدرتها على خوض معركة مفتوحة على جبهات متعددة.
وفي المقابل، تحرص روسيا على تقديم نفسها كقوة قادرة على الدفاع عن أراضيها واستعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها بسرعة وفعالية، مستفيدة من تفوقها العددي والجوي ومن الزخم السياسي الذي تحاول فرضه داخليًا وخارجيًا.
وفي المحصلة، تبقى الحدود بين روسيا وأوكرانيا ساحة مفتوحة لاشتباكات عنيفة وحرب إرادات متصاعدة، لا تُظهر في الوقت الراهن أي مؤشرات جدية على قرب انتهائها.