مئات الآلاف على صعيد عرفات في مشهد إيماني مهيب

مئات الآلاف على صعيد عرفات في مشهد إيماني مهيب

مئات الآلاف على صعيد عرفات في مشهد إيماني مهيب
جبل عرفة

وقف أكثر من 1.5 مليون حاج من شتى بقاع الأرض، اليوم الخميس التاسع من ذي الحجة، على صعيد عرفات الطاهر، يؤدون الركن الأعظم من أركان الحج في مشهد مهيب تتجلى فيه أسمى معاني الخشوع والتضرع لله.

وتوافد ضيوف الرحمن منذ فجر اليوم إلى جبل عرفات وسط أجواء روحانية تغمرها السكينة والطمأنينة، وقد علت أصواتهم بالتلبية والدعاء، راجين من الله الرحمة والمغفرة والعتق من النار، في أعظم يوم من أيام الدنيا.

ويعد الوقوف بعرفة ذروة مناسك الحج، ففيه تتجلى معاني التوحيد والخضوع لله، ويقال إنّه "الحج عرفة"، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

انتقال آمن ومنظم من منى إلى عرفات

وقد شهدت حركة انتقال الحجيج من مشعر منى إلى عرفات انسيابية ملحوظة، بفضل الجهود التي بذلتها السلطات السعودية لتيسير عملية التصعيد، حيث واكبتها خطط تفويج دقيقة، ومتابعة أمنية مباشرة لضمان سلامة الحجاج وتنظيم حركتهم.

ونفذت الجهات المعنية، منذ وقت مبكر، خططها التشغيلية لتقديم أعلى مستويات الخدمات الصحية واللوجستية والأمنية لضيوف الرحمن. وتم توزيع المرشدين والفرق التطوعية والكوادر الطبية في مختلف أنحاء المشعر، لتأمين بيئة آمنة تمكن الحجاج من أداء مناسكهم في يسر وسهولة.

خطبة عرفة.. منبر الرحمة والوحدة الإسلامية

وفي مسجد نمرة، أدّى الحجاج صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا بأذان واحد وإقامتين، اقتداءً بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، بعد أن استمعوا إلى خطبة يوم عرفة التي ألقاها الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام.

وجاءت الخطبة حافلة بالدروس والعبر، وداعية للوحدة والتسامح، ومؤكدة على فضل هذا اليوم ومكانته، ومذكرة الحجاج والمسلمين عامة بعظمة التوبة والإنابة إلى الله، وضرورة التراحم والتآزر بين المسلمين.

الصحة السعودية تحذر: تجنب الشمس وأوقات الذروة

وبالتزامن مع وقوف الحجيج بعرفات، أطلقت وزارة الصحة السعودية تحذيرات توعوية تحث فيها الحجاج على الالتزام بالتعليمات الصحية، وتجنّب التعرض المباشر لأشعة الشمس، خاصة خلال ساعات الذروة بين العاشرة صباحًا والرابعة عصرًا، لتفادي حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس.

ودعت الوزارة إلى استخدام المظلات خلال التنقل، والابتعاد عن الأسطح الساخنة، وتجنب تسلق الجبال والمرتفعات، نظرًا لما تسببه من إجهاد بدني مفرط.

كما تم نشر آلاف من الفرق الطبية والإسعافية في كافة مواقع المشاعر المقدسة للتدخل الفوري في حال حدوث حالات طارئة، ضمن خطة صحية متكاملة تراعي كثافة الأعداد والظروف المناخية.

بعد الغروب.. الحجيج إلى مزدلفة استعدادًا ليوم النحر

ومع غروب شمس يوم عرفة، تبدأ جموع الحجيج نفرتها إلى مشعر مزدلفة، حيث يصلون فيها المغرب والعشاء جمع تأخير، ويبيتون ليلتهم هناك، قبل أن يتوجهوا فجر الجمعة، العاشر من ذي الحجة، إلى مشعر منى لرمي جمرة العقبة الكبرى وذبح الهدي ثم الحلق أو التقصير، إحياءً لسنة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، وإتمامًا لشعائر النسك.

ويختتم هذا اليوم المهيب بمغفرةٍ واسعة من الله، إذ ورد في الحديث الشريف: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وهو ما يجعل الحجيج يتشبثون بالدعاء في هذه اللحظات النادرة.

ويتكرر هذا المشهد الإيماني كل عام، لكنه لا يفقد هيبته، بل يزداد رهبةً وتأثيرًا في النفوس، ملايين القلوب والألسنة تتوحد على صعيد واحد، بلغة واحدة هي لغة الدعاء، يعلوها نداء "لبيك اللهم لبيك"، ليبقى يوم عرفة شاهدًا على أن الحج ليس مجرد طقوس، بل تجديد للعهد مع الله، وفرصة للعودة الصادقة إليه.

وبينما يودع الحجاج عرفات، يحدوهم الأمل بأن يكونوا من الفائزين بفضل هذا اليوم العظيم، الذي يُعد بوابة النقاء والطهارة قبل إتمام شعائر الحج.