من كيرك إلى ترامب.. تصاعد دوامة العنف في أمريكا

من كيرك إلى ترامب.. تصاعد دوامة العنف في أمريكا

من كيرك إلى ترامب.. تصاعد دوامة العنف في أمريكا
ترامب

تعيش الولايات المتحدة منذ سنوات على وقع سلسلة متلاحقة من الهجمات ومحاولات الاغتيال التي طالت شخصيات سياسية بارزة، في مشهد يعكس تصاعد الاستقطاب الحاد الذي يُهدد السلم الأهلي والديمقراطية الأمريكية على حد سواء، آخر هذه الحوادث كان مقتل الناشط المحافظ البارز تشارلي كيرك، الذي تحوّل خلال سنوات قليلة إلى أيقونة لتيار الشباب المؤيد للرئيس دونالد ترامب، اغتياله في جامعة يوتا لم يكن مجرد جريمة جنائية، بل اعتُبر على نطاق واسع "اغتيالًا سياسيًا" أعاد إلى الأذهان محاولتي اغتيال ترامب في عام انتخابي محتدم، وحوادث العنف التي استهدفت الجمهوريين والديمقراطيين على السواء، ومع تكرار هذه الحوادث بوتيرة متسارعة، تتزايد المخاوف من أن تُصبح الساحة السياسية الأمريكية رهينة للرصاص لا صناديق الاقتراع، وأن ينزلق أكبر ديمقراطية في العالم نحو مرحلة جديدة من الفوضى والعنف المؤدلج.

اغتيال سياسي


أثار مقتل تشارلي كيرك، أحد أبرز رموز التيار المحافظ والمؤسس لحركة "Turning Point USA"، عاصفة من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، فقد جاء اغتياله خلال تجمع عام في جامعة يوتا، ليضع علامات استفهام جديدة حول أمن النشاط السياسي وحرية التعبير في بلد طالما تباهى بأنه حصن الديمقراطية.


ووصف حاكم الولاية الحادث بأنه "اغتيال سياسي" صريح، بينما ألقى الرئيس ترامب باللوم على ما أسماه "خطاب الكراهية اليساري" الذي حوّل البلاد إلى بيئة خصبة للعنف ضد المحافظين.

ترامب


هذا الحادث لم يأتِ من فراغ، بل يندرج ضمن سلسلة طويلة من استهداف الشخصيات السياسية خلال السنوات الأخيرة، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه واجه محاولتي اغتيال في غضون أقل من شهرين عام 2024، في أحداث هزّت المشهد الانتخابي وأشعلت خطاب التعبئة داخل معسكره السياسي.


ففي 13 يوليو، تعرض ترامب لإطلاق نار أثناء تجمع انتخابي حاشد في مدينة بتلر بولاية بنسلفانيا، فأصيب برصاصة في أذنه أمام الآلاف من أنصاره، المشهد كان صادمًا، المرشح الجمهوري يقف مغطى بالدماء، يرفع قبضته متحديًا ويحث الجماهير على القتال، قبل يومين فقط من انعقاد المؤتمر الوطني الجمهوري في ميلووكي.


ظهور ترامب لاحقًا على منصة المؤتمر بضمادة بيضاء على أذنه وتصريحه بأن العناية الإلهية أنقذت حياته، حوّلا الحادثة إلى لحظة سياسية فارقة أعادت شحذ قواعده الانتخابية.


أما مطلق النار، الشاب توماس كروكس صاحب الـ20 عامًا، فقُتل على الفور برصاص قناص من جهاز الخدمة السرية، ورغم انتهاء التحقيقات، ظل دافع الجريمة موضع جدل، إذ أشار مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى مزيج معقد من الدوافع الشخصية والاضطرابات النفسية ورغبة القاتل في الشهرة.


بعد أسابيع قليلة، في منتصف سبتمبر، واجه ترمب حادثًا أمنيًا جديدًا عندما أُجبر على مغادرة ملعب الجولف الخاص به في فلوريدا عقب سماع طلقات نارية في المنطقة. المشتبه به في تلك الحادثة، رايان روث، كان قد نشر سلسلة من المنشورات العدائية ضد ترامب وسياساته على وسائل التواصل الاجتماعي، ما عزز المخاوف من تكرار محاولات استهدافه جسديًا.

الحزب الجمهوري في نيو مكسيكو


لم تسلم المؤسسات الجمهورية من الاستهداف، إذ تعرض مقر الحزب الجمهوري في نيو مكسيكو هذا العام لهجوم حريق متعمد دمّر بوابته الرئيسة، وأشارت التحقيقات إلى أن المشتبه به نفذ أيضًا هجومًا على معرض تابع لشركة تسلا في ألباكركي.


المدعية العامة بام بوندي وصفت الحادث بأنه تصعيد خطير للعنف السياسي، محذرة من تحوله إلى نمط دائم لاستهداف البنية التحتية للأحزاب.

بول بيلوسي


في عام 2022، تعرض بول بيلوسي، زوج رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي، لهجوم صادم في منزلهما بكاليفورنيا، حيث أصيب بجروح خطيرة على يد رجل مسلح بمطرقة.


السلطات أكدت أن المهاجم كان متأثرًا بنظريات مؤامرة متطرفة، ما جعل الحادثة مؤشرًا على تنامي العنف المرتبط بالمعلومات المضللة عبر الإنترنت.

ستيف سكاليس


ستيف سكاليس، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، كاد أن يفقد حياته عام 2017 عندما أطلق جيمس هودجكينسون النار على ملعب بيسبول في فرجينيا أثناء تدريب سنوي للمشرعين الجمهوريين، فأصيب سكاليس بجروح بالغة إلى جانب ثلاثة آخرين.


نجا سكاليس بعد عملية جراحية معقدة، ولا يزال يشغل منصبه حتى اليوم، معتبرًا الحادثة نقطة تحول في النقاش حول الأمن الشخصي للمشرعين.

جوش شابيرو وجريتشن ويتمر


تعرض حاكم ولاية بنسلفانيا الديمقراطي جوش شابيرو هذا العام لتهديد مباشر عندما اقتحم رجل منزله وأشعل النار، ما اضطر السلطات إلى إجلائه مع عائلته ونقله إلى مكان آمن، الحادثة أثارت نقاشًا واسعًا حول أمن المسؤولين المحليين في ظل تصاعد الاعتداءات ذات الدوافع السياسية.

حاكمة ميشيغان، جريتشن ويتمر، كذلك كانت هدفًا لمحاولة اختطاف خطط لها متطرفون يمينيون عام 2020 خلال فترة ولايتها الأولى، العملية أُحبطت قبل التنفيذ،

وانتهت بإدانة وسجن المتورطين، هذه القضية اعتُبرت إنذارًا مبكرًا لتنامي التهديدات الداخلية ضد المسؤولين المنتخبين.
غابرييل جيفوردز

في عام 2011، تعرضت النائبة الأمريكية السابقة غابرييل جيفوردز لإطلاق نار في رأسها أثناء لقاء انتخابي مع ناخبيها في أريزونا، نجاتها من الحادثة شكلت معجزة طبية، لكنها أنهت مسيرتها السياسية المباشرة ودَفعتها لتصبح واحدة من أبرز الناشطات في مجال مكافحة العنف المسلح في الولايات المتحدة.

مؤشرات خطيرة


تحليليًا، يرى خبراء الأمن والسياسة أن هذه الاعتداءات تمثل مؤشرًا على خطورة الاستقطاب الأمريكي الذي لم يعد مقتصرًا على الخطاب الإعلامي أو الحملات الانتخابية، بل تمدد إلى الفعل العنيف على الأرض. 


إذ يشير باحثون إلى أن خطاب التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي ساهم في تطبيع فكرة استهداف الخصوم السياسيين جسديًا، وتظهر بيانات مراكز الأبحاث أن تهديدات العنف ضد المسؤولين الفيدراليين وأعضاء الكونجرس ارتفعت بأكثر من 400% خلال العقد الماضي، ما يعكس بيئة مشحونة باتت ترى في العنف وسيلة مشروعة لحسم الخلافات.


كما يرى مراقبون أن ما جرى مع كيرك تحديدًا قد يدفع اليمين الأمريكي إلى مزيد من التعبئة، وربما تسريع خطوات تشريعية لتعزيز أمن الشخصيات العامة، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة، يخشى البعض أن تتحول حوادث كهذه إلى وقود انتخابي يزيد الانقسام حدة، خصوصًا في ظل صراع محتدم بين تيار ترمب واليسار الديمقراطي على مستقبل البلاد.


وفي الوقت الذي تطالب فيه أصوات بتهدئة الخطاب الإعلامي وتحصين النقاش السياسي من العنف، يبدو أن أمريكا تدخل مرحلة دقيقة حيث تقترب الحدود بين التنافس السياسي المشروع والعنف السياسي من التلاشي. فالمشهد الحالي يوحي بأن البلاد أمام اختبار صعب بين الحفاظ على حيوية الديمقراطية وحماية أمن الشخصيات العامة، وهو اختبار قد يحدد شكل الحياة السياسية في العقد المقبل.

من جانبه، يرى تيموثي نيلاند، أستاذ التاريخ والعلوم السياسية والقانون في جامعة نازاريث بنيويورك، أن حادث اغتيال تشارلي كيرك يمثل نقطة تحول مقلقة في المشهد السياسي الأمريكي، حيث لم يعد العنف السياسي مجرد حادثة عابرة بل بدأ يرسخ نفسه كظاهرة متكررة تهدد قواعد النظام الديمقراطي، وفقًا لحديثه إلى وكالة نوفوستي.


ويشير نيلاند إلى أن وقع مقتل كيرك كان أشبه بزلزال سياسي هز أركان الحياة العامة في الولايات المتحدة، وأثار حالة من الذعر لدى كل من التيارين اليميني واليساري على حد سواء.


وبرأيه، فإن هذه الحادثة تكشف عن بيئة سياسية واجتماعية تتجه نحو مزيد من التطرف، حيث باتت لغة الرصاص والمواجهة المباشرة تنافس صناديق الاقتراع كوسيلة للتعبير عن الغضب أو السعي لتغيير الواقع السياسي، وهو ما يستدعي مراجعة جادة للخطاب العام وتعاونًا بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لكبح هذا المنحنى قبل أن يتفاقم.