غارات على القصر الرئاسي والأركان: هل بدأت تل أبيب حربًا في سوريا؟
غارات على القصر الرئاسي والأركان: هل بدأت تل أبيب حربًا في سوريا؟

في تصعيد عسكري مفاجئ يحمل إشارات لمرحلة جديدة من المواجهات الإقليمية، فتحت إسرائيل جبهة الشمال بضربات جوية مكثفة استهدفت عمق العاصمة السورية دمشق، بالتزامن مع نقل وحدات عسكرية من قطاع غزة إلى هضبة الجولان، هذا التحول العسكري، الذي جاء وسط توتر متزايد على الحدود السورية، أعاد إشعال المخاوف من اندلاع حرب متعددة الجبهات، مع تلويحات إسرائيلية بأن الضربات تهدف إلى "حماية الدروز" داخل سوريا، لكن الاستهداف المباشر لقصر الرئاسة ومقر هيئة الأركان في ساحة الأمويين يطرح تساؤلات حول النوايا الحقيقية لتل أبيب، وعمق الصدع الاستراتيجي الآخذ في الاتساع بين إسرائيل ودمشق، التحركات العسكرية الإسرائيلية جاءت مدفوعة على ما يبدو بتقديرات أمنية جديدة، دفعت رئيس الأركان إلى إعادة تموضع القوات واستدعاء الطائرات إلى الشمال، في ما وصفه الإعلام العبري بأنه "إعلان حرب مصغر"، فهل يتجه الشرق الأوسط نحو فوهة مواجهة جديدة؟
*هجوم إسرائيلي*
لم يكن يوم الأربعاء عاديًا في العاصمة السورية دمشق، حيث دوّى انفجار ضخم في ساحة الأمويين، أحد أكثر المواقع رمزية في البلاد، مستهدفًا بشكل مباشر مبنى رئاسة الأركان السوري. الغارة، التي شُنّت في سلسلة ثلاثية من الضربات الجوية، جاءت في إطار هجوم إسرائيلي وصفته وسائل إعلام عبرية بـ"الموسع"، وسط تأكيدات بأن القصر الرئاسي نفسه كان هدفًا للهجوم، إلى جانب وزارة الدفاع ومواقع أخرى في العاصمة.
وبحسب مصادر أمنية تحدثت لوكالة "رويترز"، فإن الضربات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، دون إعلان رسمي من دمشق حتى اللحظة، بينما أظهرت صور متداولة حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية العسكرية في قلب العاصمة.
في إسرائيل، كان المشهد مختلفًا، إذاعة الجيش وصفت ما يجري في سوريا بـ"إعلان حرب مصغر"، في حين أكدت هيئة البث أن رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال إيال زمير، أمر بتحويل عدد كبير من المقاتلات الجوية إلى الجبهة الشمالية.
*الهجمات المؤلمة*
في تطور لافت، تم نقل وحدات عسكرية من قطاع غزة إلى هضبة الجولان، في خطوة تشير إلى تغيير في أولويات القيادة العسكرية الإسرائيلية، ما يعكس تحوّلًا في النظرة الاستراتيجية من الجنوب إلى الشمال.
ووفق مصادر عسكرية إسرائيلية، فقد تم استهداف نحو 160 موقعًا في سوريا حتى الآن، في ما بدا وكأنه رد استباقي على تهديدات مصدرها الأراضي السورية، وفقًا لـ"القناة الثانية عشر الإسرائيلية".
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعا لاجتماع أمني عاجل مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الأركان، فيما بدا أنه محاولة لضبط إيقاع التصعيد وتحديد نطاقه. الوزير كاتس، بدوره، أعلن بدء "الهجمات المؤلمة" على سوريا، دون توضيح ما إذا كانت العمليات ستتوسع لتشمل مناطق إضافية أو ستبقى ضمن نطاقها الحالي.
*صمت سوري*
في الجانب السوري، لم تصدر حتى الآن بيانات رسمية، غير أن الصمت الرسمي يُفسَّر على أنه محاولة لتقييم الخسائر العسكرية والبشرية، وربما التخطيط لردّ محسوب في وقت لاحق.
لكن طبيعة الأهداف التي شملتها الغارات، خاصة قصر الرئاسة ومبنى هيئة الأركان، تشير إلى أن إسرائيل لم تعد تكتفي بضربات تكتيكية، بل باتت تستهدف رموز السيادة السورية مباشرة.
اللافت في التصريحات الإسرائيلية هو تبرير الضربات بـ"حماية الدروز"، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى جدية هذا الادعاء، خصوصًا في ظل استهداف مواقع سيادية لا علاقة واضحة لها بالمكون الدرزي في سوريا.
ويُحتمل أن يكون هذا التبرير محاولة لتأمين غطاء سياسي دولي أو داخلي، خصوصًا في ضوء التوترات الإقليمية المتصاعدة.
يرى مراقبون أن التحرك الإسرائيلي جاء في ظل حسابات معقدة تتعلق بالتغيرات الجارية على الساحة السورية، وخصوصًا تمدد النفوذ الإيراني في الجنوب السوري. كما أن اقتراب قوات محسوبة على طهران من حدود الجولان دفع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى إعادة ترتيب أولوياتها.
ويخشى مراقبون أن يؤدي التصعيد الجديد إلى اندلاع موجة عنف أشمل، قد تتورط فيها أطراف متعددة، سواء من داخل سوريا أو من حلفاء النظام في طهران وبيروت. وفي هذا السياق، لا يُستبعد أن ترد دمشق أو حلفاؤها بطريقة غير مباشرة، من خلال ميليشيات حليفة في الجولان أو من خلال تهديدات أمنية في مناطق أخرى من الحدود الشمالية لإسرائيل.
*دلالات استراتيجية خطيرة*
من جانبه، يقول عبدالرحمن ربوع، المحلل السياسي السوري: إن ما يجري هو أبعد من مجرد "ردع تكتيكي" إسرائيلي، ويعكس تحوّلًا في قواعد الاشتباك بين تل أبيب ودمشق، قد يُفضي إلى مرحلة جديدة من المواجهة غير المباشرة.
ويقول ربوع - في حديثه لـ"العرب مباشر" - إن الضربة التي استهدفت ساحة الأمويين ومبنى هيئة الأركان ليست مجرد رسالة، بل تحمل دلالات استراتيجية خطيرة، مضيفًا، هذه أول مرة تُضرب فيها مراكز سيادية بهذا الشكل العلني منذ سنوات، حتى في ذروة التصعيد خلال العقد الماضي، كانت إسرائيل تميل إلى استهداف مواقع تابعة لإيران أو لحزب الله ضمن الأراضي السورية، وليس مقر قيادة الجيش السوري مباشرة أو القصر الجمهوري.
وأضاف، تبرير إسرائيل للهجوم بحماية الطائفة الدرزية هو محاولة مكشوفة لإضفاء طابع إنساني على عملية ذات أهداف سياسية واضحة، موضحًا، أن هناك قلقًا حقيقيًا داخل إسرائيل من تزايد نفوذ إيران وحزب الله في الجنوب السوري، لكن الاستهداف الممنهج لرموز الدولة يعني أن إسرائيل باتت تتحرك ضد الدولة السورية نفسها، وليس فقط ضد الميليشيات المتحالفة معها".
ويحذّر ربوع، من أن السكوت السوري قد لا يدوم طويلًا، قائلًا صحيح أن النظام السوري يتريث غالبًا في الرد، لكن ضرب هذه المواقع الحساسة قد يدفعه إلى السماح لحلفائه بالرد بالوكالة، سواء من الجولان أو عبر جبهات أخرى، فنحن أمام لحظة دقيقة، وإذا لم يتم احتواء التصعيد، فإن المنطقة برمتها مرشحة للاشتعال، خصوصًا مع انشغال العالم بملفات أخرى وتراجع الاهتمام الغربي بما يجري في سوريا.
ويختم بالقول، إسرائيل تُراهن على ضعف الرد السوري، لكنها قد تكتشف لاحقًا أن ضربة كهذه لا تُنسى ولا تُغتفر.