حرب بلا ضجيج في الضفة.. من مكافحة الإرهاب إلى تغيير ديموغرافي شامل

حرب بلا ضجيج في الضفة.. من مكافحة الإرهاب إلى تغيير ديموغرافي شامل

حرب بلا ضجيج في الضفة.. من مكافحة الإرهاب إلى تغيير ديموغرافي شامل
حرب غزة

بينما تتسابق كاميرات العالم نحو قطاع غزة، تمضي في الظل عملية أخرى لا تقل خطورة في الضفة الغربية، لكن بصمت مدروس واستراتيجية طويلة النفس. 

تحت غطاء "الأمن ومحاربة الإرهاب"، تُنفّذ إسرائيل منذ مطلع العام حملة أمنية غير مسبوقة في مدن مثل: جنين وطولكرم، تجاوزت الأطر العسكرية لتطال النسيج السكاني ذاته، عشرات الآلاف أُجبروا على النزوح، وأحياء كاملة تحولت إلى خرائب، بينما يُعاد رسم الجغرافيا السياسية والبشرية على نحو يُمهّد لما هو أخطر وهو الضم التدريجي لأراضٍ فلسطينية جديدة.

 التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين الإسرائيليين لا تترك كثيرًا للخيال، والغياب الفلسطيني الرسمي عن هذه المناطق يعمّق الهوة ويزيد من هشاشة الواقع، هذه ليست مجرد حملة أمنية؛ إنها إعادة هيكلة ميدانية، تُحدث زلزالًا في توازنات القضية الفلسطينية وتثير مخاوف عميقة من نكبة جديدة، بصيغة القرن الحادي والعشرين.

*تهجير واسع النطاق بمباركة الصمت الدولي*


في الأشهر الأخيرة، تحولت مدن ومخيمات في شمال الضفة الغربية إلى ساحات عمليات عسكرية مفتوحة، ما بدأ بحملات أمنية محدودة، توسّع ليصبح شكلًا من أشكال الاحتلال الميداني طويل الأمد، حيث لم يغادر الجيش الإسرائيلي هذه المناطق بعد تنفيذ المهام، بل بقي، مدججًا بالدبابات والمروحيات، مشرفًا على واقع جديد يُفرض تدريجيًا.

بحسب مصادر محلية وإفادات من منظمات حقوقية، فإن نحو 40 ألف فلسطيني اضطروا لمغادرة منازلهم منذ يناير 2025، في موجة نزوح داخلي هي الأوسع منذ نكسة عام 1967.

في جنين وحدها، باتت أحياء بأكملها خاوية إلا من الركام، وسط غياب أي خطة لإعادة الإعمار أو التعويض.

*تحطيم البنية الاجتماعية وتفكيك المخيمات*


تُظهر الصور الجوية والبيانات الميدانية نمطًا متكررًا: تدمير للمنازل، توسيع للطرق لتسهيل دخول المركبات العسكرية، وفرض قيود طويلة الأمد على الحركة.

هذه الممارسات لا تبدو اعتباطية، بل جزء من سياسة تهدف إلى إعادة صياغة الواقع الديمغرافي والجغرافي للمكان.

في هذا السياق، أشار مسؤولون فلسطينيون. أن إسرائيل تُخطط لتحويل بعض المخيمات، وعلى رأسها مخيم جنين، إلى "أحياء مدنية"، في خطوة يُنظر إليها على أنها مقدمة لإلغاء صفة اللجوء، وطرد وكالة الأونروا من المشهد، وهو ما يراه الفلسطينيون تهديدًا مباشرًا لحق العودة وطمسًا للهوية التاريخية.

*إعادة تعريف السلطة والسيطرة*


الحملة الإسرائيلية، وإن كانت تُقدَّم دوليًا في إطار محاربة "الإرهاب"، فإنها عمليًا تُضعف دور السلطة الفلسطينية وتفرغ اتفاق أوسلو من مضمونه.

 الجيش الإسرائيلي يعمل كأن لا وجود لأي سلطة محلية، فيما تغيب حكومة محمد اشتية عن المشهد، ويقتصر الدور الرسمي على بيانات تنديدية بلا فاعلية.

هذا الواقع يُمهّد لمرحلة ضم زاحف، خصوصًا في ظل تصريحات مسؤولين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، الذين لا يخفون نيتهم استغلال اللحظة الإقليمية المضطربة، وغياب الضغط الدولي، لتثبيت وقائع ميدانية جديدة.

*أوضاع إنسانية مأساوية وذكريات النكبة تعود*


العائلات المهجرة تعيش اليوم في مساكن مؤقتة غير مهيّأة، مثل الشقق الطلابية أو المدارس المغلقة، "الوضع لا يُطاق"، يقول محمد أبو وصفة، أحد الناشطين في الإغاثة المحلية: "الناس لا يعرفون إلى أين يعودون، ولا ما إذا كانت منازلهم ما تزال قائمة".

هذه الشهادات تعيد إلى الأذهان مشاهد نكبة 1948، لكن هذه المرة في نسخة بطيئة الإيقاع وأكثر تعقيدًا، تستفيد من التفكك الفلسطيني والانشغال الدولي بحرب غزة والملفات الجيوسياسية الكبرى.

*ماذا بعد؟*


في ظل غياب أي أفق سياسي لحل الدولتين، وتآكل سلطة الحكم الذاتي، وتوسع الاستيطان، تبدو الضفة الغربية أمام مفترق خطير.

من جانبه، يقول د. محمد المنجي أستاذ العلوم السياسية: إن العملية العسكرية ليست مجرد حملة أمنية، بل إعادة ترسيم للحدود والنفوذ والذاكرة.

وأضاف لـ"العرب مباشر": الفلسطينيون يرون فيها حربًا وجودية، بينما إسرائيل تمضي قدمًا في تثبيت الوقائع ببطء، مستفيدة من صمت المجتمع الدولي.

وتابع، إذا ما استمرت هذه الاستراتيجية، فقد يتحول التهجير في الضفة إلى ما يشبه تطهيرًا ناعمًا، لا يُوثَّق بالصوت والصورة كما في غزة، لكنه لا يقل تدميرًا لمشروع الدولة الفلسطينية.