ترامب يعيد سوريا إلى الواجهة.. خطوة جريئة أم مقامرة سياسية
ترامب يعيد سوريا إلى الواجهة.. خطوة جريئة أم مقامرة سياسية

في قرار فاجأ كثيرين وأربك موازين السياسة الأميركية، أعلن الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، مبررًا خطوته بأنها بداية لمسار إعادة إعمار بلد دمرته الحرب، وفتحٌ لباب التسوية الإقليمية، إلا أن هذا الإعلان، الذي صدر خلال زيارته للسعودية، فجّر جدلًا دستوريًا عميقًا في واشنطن: هل يملك الرئيس الأميركي صلاحية إلغاء العقوبات الأحادية المفروضة على دمشق منذ عام 1979، أم أن هذه الصلاحية تقع ضمن نطاق الكونغرس؟
السجال لا يقتصر على البعد القانوني فحسب، بل يمتد إلى جوهر التوازنات داخل المؤسسة الأميركية، حيث تتقاطع السياسة الخارجية مع القوانين التشريعية، والمصالح الإقليمية مع الحسابات الانتخابية، وفي ظل انقسام الكونغرس، ومخاوف الحلفاء وخاصة إسرائيل من عواقب تخفيف العقوبات، يجد ترامب نفسه أمام معركة متعددة الجبهات: بين الدستور، والمؤسسات، والحلفاء، والرأي العام.
*صلاحيات ترامب*
لم يكن إعلان ترامب مجرد إجراء رئاسي في السياسة الخارجية، بل تحوّل إلى اختبار دستوري وقانوني حول حدود السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة.
فالعقوبات المفروضة على سوريا، التي بدأت قبل أكثر من أربعة عقود، هي شبكة معقدة من قرارات تنفيذية وتشريعات صادرة عن الكونغرس، بعضها لا يمكن المساس به دون الرجوع إلى السلطة التشريعية.
ويُميز الخبراء بين نوعين من العقوبات، أولها هي العقوبات التشريعية وهي تلك التي أقرها الكونغرس، مثل "قانون محاسبة سوريا" عام 2003 و"قانون قيصر" عام 2019.
هذه القوانين لا يستطيع الرئيس إلغاءها أو تعديلها بشكل دائم إلا بموافقة من الكونغرس نفسه، رغم امتلاكه صلاحية "تعليقها مؤقتًا" لمدة تصل إلى 180 يومًا وفق ظروف محددة.
العقوبات التنفيذية وهي أوامر صادرة من رؤساء سابقين، يستطيع ترامب إلغاءها أو تعديلها بإجراء رئاسي مباشر، لأنها تستند إلى صلاحيات الطوارئ الوطنية، وتشمل الأوامر التنفيذية التي استهدفت سوريا خلال السنوات الماضية:
القرار 13338 (2004) الذي فرض حظرًا على أصول مسؤولين سوريين.
القرار 13572 (2011) والذي استهدف قادة أمنيين بسبب قمع التظاهرات.
القرار 13582 (2011) الذي مثّل ضربة موجعة للاقتصاد السوري بتجميد أصول الحكومة ومنع الاستثمارات.
القرار 13608 (2012) والذي منع أي تعاملات مع منتهكي العقوبات.
ورغم أن ترامب يستطيع التراجع عن هذه الأوامر، إلا أن إلغاء العقوبات المرتبطة بالقوانين التشريعية، مثل: "قانون قيصر" يتطلب معركة طويلة داخل الكونغرس، خاصة في ظل المعارضة الشديدة من شخصيات نافذة مثل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي اعتبر أن "أي تخفيف للعقوبات يجب أن يخضع لتقييم شامل للوضع في سوريا والتنسيق مع حلفائنا، وعلى رأسهم إسرائيل".
*معارضة إسرائيلية*
وتشير مصادر سياسية غربية، أن إسرائيل تعارض أي تغيير مفاجئ في منظومة العقوبات، خصوصًا مع بقاء فصائل مثل هيئة تحرير الشام، التي كانت مصنفة ضمن قوائم الإرهاب حتى أواخر 2024، في المشهد السوري.
كما أن اسم أحمد الشرع (الجولاني سابقًا) ما يزال يثير قلق صناع القرار في تل أبيب وواشنطن على السواء.
من ناحية أخرى، تفرض العقوبات الأميركية قيودًا شديدة على القطاعين المالي والاقتصادي في سوريا، ما يجعل من أي تخفيف أو إلغاء لها موضع ترقب من قبل المستثمرين الدوليين.
وقد وضعت وزارة الخزانة، ممثلة بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، لائحة موسعة من الأفراد والكيانات المحظورة، تشمل البنك المركزي السوري وشركات في قطاعات الطاقة والطيران والبناء.
أي تغيير في هذه القوائم قد يفتح المجال أمام عودة بعض الشركات الأجنبية، التي كانت تتفادى التعامل مع سوريا خوفًا من العقوبات الثانوية.
*توازن القوى*
في السياق الإقليمي، يسعى ترامب إلى تقديم هذه الخطوة كجزء من رؤيته لإعادة تشكيل الترتيبات الأمنية والاقتصادية في الشرق الأوسط.
ويرتبط هذا القرار بجهوده لعقد صفقة شاملة تشمل سوريا، وإعادة تأهيل النظام دوليًا مقابل خطوات سياسية وأمنية محددة.
لكن الطريق أمامه ليس معبّدًا، فبالإضافة إلى التحدي القانوني في واشنطن، يواجه ترامب معارضة داخل إدارته نفسها، حيث تبدي بعض دوائر الخارجية والدفاع قلقها من تداعيات هذا القرار على توازن القوى في سوريا، وعلى علاقات واشنطن مع حلفاء أوروبيين وعرب يعارضون التطبيع غير المشروط مع النظام السوري.