ترتكب جرائم حرب.. لماذا وُضعت تركيا على قائمة دول تجنيد الأطفال؟

تجند تركيا الأطفال لاستخدامهم في الحروب

ترتكب جرائم حرب.. لماذا وُضعت تركيا على قائمة دول تجنيد الأطفال؟
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

أدرجت الولايات المتحدة تركيا على القائمة الأميركية للدول المتورطة في تجنيد الأطفال، وذلك في ظل ارتباط حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع فصيل "فرقة السلطان مراد" المسلح، والذي يعمل في مناطق شمال سوريا، لتكون هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها الولايات المتحدة قرارًا على هذا النحو من الصرامة ضد أنقرة، حليف الناتو.

وفي تقريرها، قالت الخارجية الأميركية: إن "تركيا تقدم دعما ملموسا لفرقة السلطان مراد في سوريا"، ذلك الفصيل المحسوب على المعارضة المسلحة، وهو الفصيل الذي تؤيده أنقرة منذ زمن طويل، وأقرت الولايات المتحدة الأميركية بأنه جند الأطفال واستخدمهم كمقاتلين.

ما هي فرقة السلطان مراد؟

فرقة السلطان مراد هي واحدة من الجماعات المسلحة التي تحركها تركيا في الحرب الأهلية السورية، وأنشأها الجيش التركي كأحد أذرعه في الحرب السورية، وقد بدأت تلك الفرقة نشاطها منذ مارس ٢٠١٣، وقامت على أغلبية ينتمون إلى تركمان سوريا، ومقرها الرئيسي في مدينة حلب السورية.

وتؤكد التقارير أن تركيا تقدم التمويل والتدريب العسكري والدعم الجوي لفرقة السلطان مراد، وهي الفئة الأكثر بروزًا من بين كتائب تركمان سوريا، والمدعومة من تركيا، علاوة على أن الفرقة تحمل اسم أحد السلاطين الأتراك أيام السلطنة العثمانية. 

وهنا تشير التقارير إلى أن الفصائل المسلحة تضم فيما بينها عدة جماعات مسلحة، منها لواء السلطان مراد، ولواء أشبال العقيدة، ولواء حمزة وعباس، ولواء أهل السُّنّة والجماعة، ولواء السلطان محمد الفاتح، ولواء سليمان شاه، والفوج الأول، وكتائب شهداء تركمان.

تجنيد قسري

وكشف تقارير إعلامية سورية كيف قام الفصيل المسلح بضم أطفال دون سن الـ١٨ إلى صفوفه، ليقوم الجيش التركي بتدريبهم بعدها في معسكرات بشكل قسري، وإرسالهم للمشاركة في الحروب في بعض المعارك في شمال وشرق سوريا، ومؤخرًا إلى ليبيا وأذربيجان. 

كما أكدت التقارير أن الفرقة المسلحة كانت ترسل الأطفال المدربين إلى المراكز التي كانت دوائر للجمارك خلال فترة الإدارة الذاتية سابقًا، ومن ثم يتم إرسالهم إلى المعسكرات التدريبية في قرية حوار كلس في بلدة إعزاز المحتلة، موضحة أنه بعد قضاء فترة في تلك المراكز، يتم إرسالهم إلى خطوط الجبهة في رأس العين وتل أبيض السوريتين، وطرابلس الليبية، وناغورني قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان.

الزج بالأطفال في الحرب 

 وفي فبراير 2020، كشف مؤسسة "ماعت" الحقوقية عن تورط تركيا في تجنيد نحو 1316 طفلا، خلال الفترة من 2014 إلى 2019، من المناطق التي تحتلها في شمال سوريا.

وفى تقرير حمل عنوان: "تورط تركيا في تجنيد الأطفال من المناطق التي تحتلها في شمال سوريا"، أكدت مؤسسة "ماعت" أن فشل المجتمع الدولي المتكرر في التحرك بشكل فعال لحماية المدنيين في سوريا، أدى إلى تشجيع الفصائل المسلحة الموالية لتركيا على ارتكاب جرائم الحرب الممنهجة والانتهاكات الأخرى للقانون الدولي، بما في ذلك تجنيد الأطفال.

كما أوضح التقرير، أن تلك الميليشيات تستخدم أنماطا معقدة لتجنيد الأطفال قسريًا، والزج بهم في الأعمال الحربية في مختلف المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات منهم.

تورط الحكومة التركية

وشدد التقرير على تورط الحكومة التركية بشكل مباشر في عمليات تجنيد الأطفال للقتال في شمال شرق سوريا، ونقل هؤلاء الأطفال واستخدامهم للقتال في ليبيا أيضًا لتدعيم حكومة الوفاق الحليف السياسي لتركيا، وذلك باستخدام شركات أمنية تعمل على تجنيد أطفال دون الـ18 عامًا للمشاركة في الأعمال العدائية المسلحة خصوصًا في ليبيا.

وحذر تقرير "ماعت" من أنه "يتم استخدام الأطفال على جبهات القتال كمقاتلين بشكل مباشر، أو في خدمات أمنية كالتفتيش على نقاط الحدود، أو الدعم اللوجستي المرتبط بالعمليات العسكرية، بالإضافة إلى العمل على خدمة المقاتلين الأكبر سنًا، إضافة إلى القيام بأعمال التجسس".

استغلال الفقر

وتشير التقارير الدولية والحقوقية، إلى أحد أبرز أسبا
ب ظاهرة تجنيد الأطفال هي وجود مجموعة من العوامل الاجتماعية أهمها: نقص الأموال، وارتفاع نسبة عدم الوعي بطبيعة نقص التعليم، ما يسهل عمليات تجنيد هؤلاء الأطفال على أساس أيديولوجي.

وتشير مؤسسة "ماعت" إلى أنه في إبريل 2020، أرسلت تركيا طفلين لتنفيذ عملية تفجير في تجمعات عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية شمال شرق سوريا، ولم تكن أعمارهما تتجاوز الـ15 عاما، متنكرين في زي رعاة أغنام، حيث إن أحد الطفلين فجر نفسه قبل وصوله إلى إحدى النقاط العسكرية في حين تمكنت القوات الكردية من اعتقال الطفل الثاني الذي أصيب بجروح".

مخالفة للمواثيق الدولية

ويؤكد أيمن عقيل، رئيس مؤسسة ماعت، أن "الفصائل المسلحة الموالية لتركيا بشمال شرق سوريا تورطت في تجنيد نحو 1316 طفلا خلال الفترة من 2014 إلى 2019 طبقا للتقارير الأممية، مشددًا على أن "هذا الأمر يخالف جميع المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحظر تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة، وما يترتب عليها من أعمال ذات صلة".

وأشار عقيل، إلى أن السلطات التركية قامت بـ"إرسال نحو 380 طفلا بعد تجنيدهم من قبل الفصائل الموالية لها في الشمال السوري للقتال في مناطق النزاع المختلفة المتورطة فيها خاصة ليبيا، الأمر الذي أدى إلى وفاة نحو 25 طفلا منهم".

وبرغم توقيع تركيا على المواثيق الدولية الحاكمة والتي وقعت أنقرة بالانضمام إليها، إلا أن أردوغان يضرب بتلك المواثيق عرض الحائط بتجنيد الأطفال ودعم الفرق التي تعمل على تجنيدهم.

سقطة جديدة للنظام التركي

وفي تصريحات لـ "العرب مباشر"، يؤكد الإعلامي المهتم بالشأن التركي، رمضان عبد العظيم، أن النظام التركي لم يترك خطيئة سياسية أو أخلاقية إلا اقترفها، في إصرار شديد على جعل الاستقرار في القاع، قاع التورط في انتهاكات وجرائم لا تسقط بالتقادم، مضيفًا أن اللجوء لتجنيد الأطفال في الحروب الممولة لتخريب الدول العربية هي سقطة جديدة للنظام التركي تضاف لسجله الحافل في انتهاك حقوق الإنسان العربي في الأمن والسلام.

واعتبر عبد العظيم أن السلم الدولي منتهك وبرضا وتشجيع من قوى لا تستفيد إلا إذا كان السلام الدولي مهددًا، لافتًا إلى أن استخدام الأطفال ضمن ميليشيات مدعومة من نظام أردوغان خارج الحدود ربما تعد سابقة حيث إن العادة جرت على أن أطراف الصراع الداخلي يستخدمون الأطفال، لكن اللافت في هذه الحالة هنا هو نقل الأطفال للقتال في جبهات خارجية وهذا يدعو للتساؤل أين هي منظمات حقوق الطفل التي لم يسمع لها أحدنا صوتا ولو حتى بالاستنكار والشجب والإدانة؟

واختتم قائلاً: "أعتقد أن استخدام الأطفال بهذه الطريقة لا يهدد فقط السلم الدولي، بل يضرب استقرار المجتمعات التي أتى منها الأطفال، فكيف سيكون مصير هؤلاء الأطفال حين يكبرون وكيف سيكون سلوكهم؟"

جرائم  حرب

وتشير المحامية الحقوقية صفاء علي، رئيسة مؤسسة سيداو المهتمة بشؤون المرأة والطفل، إلى أن هذه المرة الأولى التي تدين فيها الولايات المتحدة إحدى حلفائها ـ تركيا ـ معتبرة أن هذا يدل على أن الفعل فاضح ومكشوف، لا يمكن السكوت عنه أو غض الطرف ودفن رأسها في الرمال، مشددة على أن مجرد إدخال الأطفال في الحرب لا يعد اعتداء على الطفولة فقط، ولكنه اتجار أيضا بالبشر والدفع بقنابل موقوتة في دول الجوار واستغلال الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بالعالم في ظل تداعيات أزمة كورونا.

وفى تصريحاتها لـ"العرب مباشر"، أكدت المحامية صفاء علي، أن مجرد التفكير في استغلال الأطفال في الحروب أنا أعتبرها إرهابًا وجرائم ضد الإنسانية، مضيفة أن خروج هذا الفعل من دولة يفترض أنها إسلامية ـ يدعون أنها لخليفة المسلمين ـ هو منتهى الإجرام والاستخفاف بالدين الإسلامي الذي نهى حتى عن مواجهة الأطفال أو النساء أو الشيوخ أو المتعبدين في الحروب.. فما بالنا أن يتم استخدامهم واستغلال فقر أهاليهم وشراؤهم والعودة بنا إلى عصور الرق واستعباد البشر الذي نهت عنه الديانات السماوية والقوانين الوضعية التي تحافظ على تطبيقها ومراقبتها الولايات المتحدة ومجلس الأمن.

ونوهت صفاء على إلى أنه طبقا للقانون الدولي، فإنه من الممكن محاكمة تركيا وفرض عقوبات عليها في حالة ثبوت استخدامها للأطفال في الحروب في ليبيا أو غيرها، وكذلك يمكن توقيع أقصى العقوبات عليها إن لم تمتثل للقوانين والاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق الطفل، بل والحقوق الإنسانية، وكذلك الاتفاقية الدولية الخاصة بمنع الاتجار في البشر.

وحذرت المحامية الحقوقية من أنه في ظل العبث بالأطفال والزج بهم في الحروب وأهدافها الاستعمارية، سوف تتحول المنطقة بأكملها إلى قنبلة موقوتة، ومع الوقت وبانتهاء الانتماء والقومية والوطنية، ستظهر جماعات حرب بالتدريج وجماعات تتار ومغول، والمجتمع الدولي في غنى عن هذه الكوارث.