بنزين مسرطن على الطرقات.. وثائق سرية تكشف: إيران تخلط الوقود بالسموم
بنزين مسرطن على الطرقات.. وثائق سرية تكشف: إيران تخلط الوقود بالسموم

كشفت وثائق سرية حصل عليها موقع "إيران أوبن داتا"، أن السلطات الإيرانية باتت تلجأ بشكل متزايد إلى خلط مواد بتروكيميائية خطرة داخل إمدادات البنزين المحلية، في محاولة لسد الفجوة المتزايدة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي للوقود.
وتشير هذه الوثائق، أن هذا التوجه يهدد البيئة العامة ويشكل خطرًا مباشرًا على الصحة العامة، في ظل استخدام مواد مضافة محظورة أو مقيدة في العديد من دول العالم.
من بين أبرز هذه المواد مادة ميثيل ثالثي بيوتيل الإيثر MTBE، وهي مادة معروفة بتسببها في تلوث المياه الجوفية وتصنّف كمادة مسرطنة محتملة.
ورغم حظرها أو تقييد استخدامها في العديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلا أن إيران تستخدمها بكميات كبيرة، حتى في البنزين الذي يُسوّق محليًا باعتباره مطابقًا لمعايير الانبعاثات الأوروبية، من قبيل Euro 4 وEuro 5.
وقود بمعايير أوروبية يحتوي على مواد محظورة
تشير الوثائق إلى اعتماد واسع النطاق على المواد الكيميائية المُضافة من خارج مواقع التكرير لرفع رقم الأوكتان في البنزين الأساسي.
وتشمل هذه المواد MTBE ومحفزات أرومايتية للأوكتان لا تُنتج من عمليات التكرير التقليدية.
وتُعدّ مصفاة شازند، وهي الأكبر في البلاد في إنتاج الوقود الأوروبي، مسؤولة عن خلط نحو 350 ألف لتر من MTBE يوميًا، فيما تخلط مصفاة أصفهان 325 ألف لتر يوميًا، وفقًا للبيانات المتاحة.
وعلى الرغم من هذا الاستخدام، ما تزال المصافي تسوّق منتجاتها على أنها متوافقة مع المعايير الأوروبية Euro 4 وEuro 5، في انتهاك صريح للمعايير البيئية التي تستهدف الحد من الانبعاثات الضارة وتقليل الملوثات.
فجوة إنتاج وارتفاع في الطلب المحلي
بلغ متوسط إنتاج إيران من البنزين الأساسي خلال عام 2024 نحو 101 مليون لتر يوميًا، ليصل إلى 121 مليون لتر يوميًا بعد إضافة حوالي 20 مليون لتر من المواد المضافة من خارج المصافي.
ومع ذلك، يبقى الطلب المحلي اليومي عند 123.5 مليون لتر، ما يخلق فجوة قدرها 2.5 مليون لتر يوميًا.
وفي ظل العقوبات الاقتصادية والعوائق المالية التي تحد من استيراد المواد أو تحديث المصافي، لجأت إيران إلى إعادة استخدام البنزين المستخرج من البتروكيماويات، وهي ممارسة كانت قد بدأت خلال فترة العقوبات الدولية عام 2010.
ضعف في البنية التحتية التكريرية
رغم امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطي عالمي من الغاز الطبيعي، إلا أن بنيتها التحتية في مجال التكرير ما تزال تعاني من ضعف شديد بسبب العقوبات والسياسات الاقتصادية.
لم تُبنَ أي مصفاة جديدة منذ عام 2017، كما أن ستًا من أصل عشر مصافٍ رئيسية تعود إلى ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979.
وتعدّ مصفاة نجم الخليج الفارسي الأكبر في البلاد من حيث الإنتاج، إذ تُنتج 39 مليون لتر يوميًا، إلا أن أيا من هذا الإنتاج لا يحصل على شهادة مطابقة للمعايير الأوروبية.
وتفيد بيانات الشبكة الإيرانية، أن نحو ثلث البنزين الإيراني يحمل تصنيف Euro 4 أو Euro 5 رسميًا، غير أن الوثائق الداخلية تشير إلى أن هذه الأنواع غالبًا ما تحتوي على إضافات كيميائية عالية الخطورة.
مخاطر صحية وبيئية متفاقمة
تُعتبر مادة MTBE محظورة على نطاق واسع في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من الدول، بسبب قابليتها العالية للذوبان في الماء وقدرتها على البقاء في البيئة لفترات طويلة.
وحتى التلوث الطفيف للمياه الجوفية بهذه المادة قد يتسبب في أضرار بيئية جسيمة ومخاطر صحية مباشرة، ما يجعل استخدامها في وقود المستهلكين موضع جدل كبير.
وكان مسؤول صحي في بلدية طهران قد حذر في عام 2014 من أن استخدام وقود غير مطابق للمعايير قد يؤدي إلى زيادة تركيز البنزين في الهواء بمعدل يصل إلى 35 ضعف الحد الآمن.
وفي عام 2023، أظهر تقييم بيئي أجرته السلطات الإيرانية، أن فقط 38% من البنزين المنتج محليًا يفي بالمعايير الوطنية للجودة، وتشير أحدث تقارير الموقع الإيراني أن الوضع قد تدهور منذ ذلك الحين.
أسعار منخفضة ومحاولات غير ناجحة للإصلاح
تُعتبر إيران من الدول التي توفر البنزين بأسعار هي الأدنى عالميًا، حيث تحتل المرتبة الثانية بعد ليبيا، ويُعزى ذلك إلى الدعم الحكومي الضخم، وتراجع قيمة العملة المحلية، وتأثير العقوبات الدولية.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الحكوميين غالبًا ما يربطون الأسعار المنخفضة بالاستهلاك المفرط والتهريب عبر الحدود، فإن المحاولات السابقة لرفع الأسعار تم تجميدها بسبب مخاوف من اندلاع احتجاجات شعبية.
حذرت الشبكة الإيرانية من أن الاعتماد المتزايد على المواد البتروكيميائية عالية الخطورة، دون استثمارات موازية في تحديث المصافي، يمثل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة وسلامة البيئة واستدامة الاقتصاد الوطني.
وأوضح التقرير، أن هذه الاستراتيجية المؤقتة لتحسين إمدادات الوقود عبر خلط الإضافات الخطرة قد تتحول إلى ركيزة أساسية في سياسة الطاقة الإيرانية، وهو ما قد يُفضي إلى عواقب صحية وبيئية واقتصادية.