الشليمي: ترامب يعود إلى الخليج من بوابة الرياض لتعزيز التحالفات ومواجهة التحديات الإقليمية
الشليمي: ترامب يعود إلى الخليج من بوابة الرياض لتعزيز التحالفات ومواجهة التحديات الإقليمية

في أول جولة خارجية له منذ عودته إلى البيت الأبيض، يفتتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب زيارة توصف بأنها "حاسمة" إلى منطقة الخليج، تبدأ من العاصمة السعودية الرياض التي تستضيف قمة خليجية– أميركية موسعة.
الزيارة، التي تشمل أيضًا قطر والإمارات، ليست مجرد مناسبة بروتوكولية، بل محطة تعكس عودة واشنطن إلى قلب المعادلة الإقليمية بعد سنوات من التردد، خاصة في ظل تزايد التحديات الأمنية في البحر الأحمر وتداعيات الحرب في غزة، الاجتماع المرتقب بين ترامب وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي يُنظر إليه بوصفه محاولة لإعادة صياغة التفاهمات الأمنية والاقتصادية بين الضفتين، في وقت تتنافس فيه القوى الدولية على موطئ قدم في الشرق الأوسط.
وبينما تؤكد واشنطن أن المملكة العربية السعودية تظل "شريكًا محوريًا" في المنطقة، تسعى إدارة ترامب إلى تعزيز التحالفات التقليدية لمواجهة التمدد الإيراني وضمان أمن الممرات البحرية.
*الزيارة الرسمية الأولى*
يصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض هذا الأسبوع، في زيارة تحمل أكثر من مجرد دلالة رمزية، فالعاصمة السعودية تستعد لاحتضان قمة خليجية– أميركية هي الخامسة من نوعها، وتأتي في لحظة إقليمية حساسة تفرض تحديات غير مسبوقة على الأمن الجماعي لدول المنطقة.
مصادر أميركية وعربية أكدت لموقع "أكسيوس"، أن القمة ستُعقد الأربعاء، بمشاركة زعماء دول مجلس التعاون الخليجي، في حين أن جدول زيارة ترامب سيتضمن لقاءات ثنائية في كل من قطر والإمارات، في إطار جولة خليجية تُعد أول تحرك خارجي رسمي له منذ عودته إلى السلطة.
ويعكس اختيار الرياض كنقطة انطلاق للجولة حرص الإدارة الأميركية على إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط، بعد سنوات من الانكفاء النسبي والتردد الاستراتيجي. فالمملكة العربية السعودية، كما ترى واشنطن، تبقى الركيزة الأساسية في هندسة توازنات المنطقة، ولا سيما في ملفات الطاقة، ومحاربة الإرهاب، وضمان أمن الملاحة في مضيق باب المندب.
*سياقات متشابكة.. أمن الخليج في مواجهة التحديات*
تعقد القمة في وقت تتصاعد فيه وتيرة التهديدات التي تواجهها دول الخليج، سواء من الجماعات الحوثية في اليمن التي تستهدف خطوط الملاحة في البحر الأحمر، أو من تنامي النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان.
كما أن الحرب الجارية في غزة زادت من الضغط على الحلفاء التقليديين لواشنطن في المنطقة، وسط دعوات أميركية متزايدة للعب أدوار سياسية ودبلوماسية أكثر فاعلية.
في هذا السياق، يبرز الدور السعودي كعنصر توازن إقليمي، وهو ما أكده المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، الذي صرّح لصحيفة "الشرق الأوسط" بأن "زيارة الرئيس ترامب تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أهمية السعودية كشريك محوري في جهود استعادة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط".
وأضاف، أن "الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل مع شركائها الخليجيين لإيجاد حلول سياسية ودبلوماسية مستدامة، لا سيما في ما يتعلق بجهود التهدئة في غزة، وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر".
*ترميم التحالفات وإعادة التموضع*
التحرك الأميركي باتجاه الخليج لا يقتصر على الجانب الأمني، بل يشمل أيضًا أبعادًا اقتصادية وتكنولوجية، إذ تسعى واشنطن إلى تعزيز شراكاتها في مجالات الطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والتعاون في الذكاء الاصطناعي، وهي ملفات تتصدر أجندة الحوار بين الولايات المتحدة ودول الخليج.
كما أن القمة الخليجية– الأميركية تكتسب أهمية خاصة في ظل تصاعد التنافس الجيوسياسي في المنطقة، سواء من قبل الصين التي عززت استثماراتها في البنى التحتية الخليجية، أو روسيا التي تسعى لتوسيع نفوذها عبر بوابة النفط والتعاون الدفاعي.
*محطة جديدة في مسار ممتد*
سبق أن عقدت أربع قمم مماثلة بين واشنطن ودول مجلس التعاون، بدأت في كامب ديفيد عام 2015، تلتها قمم في 2016، ثم في 2017 في الرياض خلال الولاية الأولى لترامب، وأخيرًا في جدة عام 2022.
لكن القمة الحالية تختلف في ظروفها وسياقاتها، إذ تأتي في ظل تصاعد الصراعات المسلحة وتراجع الثقة في فاعلية المؤسسات الدولية في إدارة النزاعات، ما يجعل من الحوار الخليجي– الأميركي ضرورة ملحة وليس مجرد تقليد دبلوماسي.
وفيما يبدو أن بعض دول الخليج تحاول تنويع علاقاتها الدولية، من خلال تقارب مع الصين وروسيا، فإن واشنطن تسعى لإعادة تثبيت مكانتها كشريك أول في المنطقة. وهذا ما تترجمه هذه القمة من خلال خطاب مباشر وواضح بشأن القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية.
*رسائل من الرياض إلى العالم*
القمة المنتظرة، وفق مراقبين، لا تُخاطب الداخل الخليجي أو الأميركي فحسب، بل تُوجّه رسائل إلى الأطراف الدولية كافة، بأن التحالف التقليدي بين واشنطن والعواصم الخليجية ما يزال قائمًا، وقادرًا على التكيّف مع المتغيرات المعقدة.
وبينما يترقب المجتمع الدولي مخرجات اللقاء المرتقب، يُنظر إلى الزيارة على أنها مؤشر لعودة الدبلوماسية الأميركية بقوة إلى المنطقة، وسط تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة ترامب على تجديد الالتزامات القديمة في عالم يتغير بسرعة.
*الشليمي: والخليج لم يعد بحاجة لأمريكا*
من جانبه، يقول المحلل السياسي الكويتي فهد الشليمي: إن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية في هذا التوقيت تحمل أهمية كبيرة، معتبرًا إياها زيارة "رسمية أولى" لها أبعاد اقتصادية وسياسية وجيوسياسية في آن واحد.
وأضاف الشليمي لـ"العرب مباشر"، أن اختيار السعودية كمحطة أولى في جولة الرئيس الأمريكي الإقليمية يعكس مكانة المملكة ومتانة تأثيرها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي على المستويين الإقليمي والدولي.
وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة حقيقية إلى منطقة الخليج العربي، وليست الدول الخليجية هي الطرف المحتاج كما كان يُروج سابقًا، موضحًا أن واشنطن تواجه تحديات كبيرة في ملفات الصين والاتحاد الأوروبي وكندا، إضافة إلى مشكلة الرسوم الجمركية وعدة توترات مع دول أوروبية وأمريكا الجنوبية، ولا تجد أمامها الآن إقليمًا يتمتع بالقوة والثروة والتأثير مثل الخليج العربي.
وأشار المحلل الكويتي، أن وجود ترامب في السعودية يعكس سعيه للتعامل مع ملفات معقدة في الشرق الأوسط، مثل الأزمة الفلسطينية والإسرائيلية، وسوريا، والتوترات بين الهند والصين، لافتًا أن المملكة تتمتع باحترام دولي واسع، وهو ما تؤكده الوساطات الناجحة التي قادتها السعودية بين روسيا وأوكرانيا في ملفات تبادل الأسرى.
وتابع الشليمي: "الرئيس ترامب يبحث عن دول مستقرة، ذات ملاءة مالية واقتصاد قوي ومستقبل واعد، يمكن التفاهم معها والاعتماد عليها، وهذه الدول موجودة في الخليج. زيارته للسعودية، ثم قطر، فالإمارات، تؤكد أن القرار يتمركز في هذه الدول، وأن الإقليم الخليجي يمثل مركز ثقل سياسي واقتصادي".
وأضاف: أن ترامب بحاجة أيضًا إلى تحقيق مكاسب اقتصادية تروّج لنجاحه داخليًا، وبالتالي يتوقع أن تُطرح حزم اقتصادية ذات فوائد مشتركة، لا كما يصوّرها البعض بأنها مجرد مليارات تُدفع، بل هي استثمارات مدروسة تعود بالنفع على الطرفين.
وشدد الشليمي على أهمية أن تسعى دول الخليج، من خلال هذه العلاقات، إلى تحقيق اختراقات سياسية في ملفات إقليمية معقدة، مثل القضية الفلسطينية والسورية، وكذلك الملف النووي الإيراني، موضحًا أنه "إذا أرادت دول الخليج تقديم استثمارات، فعلى الولايات المتحدة أن تُقابل ذلك بمبادرات سياسية واضحة تساهم في الحلول".
وأشار، أن معظم مشاكل الشرق الأوسط تدور حول ضغوطات على إسرائيل، وأن الاندفاع الإسرائيلي نتيجة مباشرة للدعم الأمريكي، مضيفًا: "الأمريكان قادرون على كبح جماح إسرائيل. ولم يتبق لإسرائيل في المجتمع الدولي سوى الولايات المتحدة، لذلك فإن التوازن بين الاقتصاد والسياسة والمصالح المشتركة بات ضروريًا".
وختم الشليمي بالتأكيد على أن فلسفة زيارة ترامب للسعودية تتمثل في خلق شراكات اقتصادية وسياسية تضمن أمن واستقرار المنطقة، موضحًا أن مبادرة المملكة بدعوة دول مجلس التعاون الخليجي للاجتماع مع ترامب كانت خطوة ذكية نحو تشكيل موقف خليجي موحد يُسمع له دوليًا.
وأشار أن الملفات المطروحة على الطاولة تشمل: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسوريا وغزة، وقضايا الإرهاب، والبرنامج النووي الإيراني، واتفاقيات تعاون نووي وتسليحي بين السعودية وأمريكا، والاستثمار في تصنيع الذخائر والمشاريع المشتركة.
وفي الجانب الخليجي، قال الشليمي: إن الزيارة تعزز التعاون العسكري والاقتصادي، خصوصًا في مجالات بناء السفن، والمشاريع العملاقة، وتوسيع الحضور الخليجي داخل الاقتصاد الأمريكي، مؤكدًا أن ذلك سيكون له دور إيجابي على مصالح دول مجلس التعاون الخليجي.