سباق مع الزمن.. جهود دولية لوقف النزيف في السودان وتجنب الانفجار الإقليمي
سباق مع الزمن.. جهود دولية لوقف النزيف في السودان وتجنب الانفجار الإقليمي

بينما تتصاعد ألسنة اللهب من دارفور، ويتعمق الجرح السوداني في عامه الثالث، تتحرك الدبلوماسية الدولية في محاولة يائسة لوقف دوامة الدم والانهيار. الفاشر، المدينة المنكوبة والمحاصرة، باتت مرآة لمأساة أوسع تطحن السودان من أقصاه إلى أقصاه. فالمعارك المستعرة، والانتهاكات اليومية، وانهيار الخدمات، رسمت مشهدًا إنسانيًا كارثيًا دفع الأمم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر، والتحذير من اتساع رقعة الصراع وتجاوزها للحدود الوطنية.
في خضم ذلك، يقود الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اتصالات مباشرة مع أطراف النزاع، بحثًا عن هدنة إنسانية تفتح ثغرة في جدار الصمت والمعاناة، وفي مجلس الأمن، تتعالى التحذيرات من تحول السودان إلى ساحة حرب إقليمية، وسط تقارير عن تجنيد المرتزقة وتوسع استخدام الطائرات المسيّرة، فهل تنجح المساعي الأممية في كبح التدهور، أم أن آلة الحرب تمضي بلا كوابح نحو المجهول؟
*هدنة إنسانية*
تتسارع التحركات الدولية في محاولة لاحتواء ما يصفه دبلوماسيون بأنه أسوأ أزمة إنسانية يشهدها السودان منذ استقلاله، ففي ظل حصار خانق على مدينة الفاشر، وتدهور دراماتيكي في الأوضاع الميدانية، تواصل الأمم المتحدة جهودها لفرض هدنة إنسانية تسمح بتدفق المساعدات، وتُمهّد لحوار سياسي قد ينهي صراعًا مريرًا أودى بحياة الآلاف وشرد الملايين.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دخل على خط الأزمة مباشرة، مجريًا اتصالات مع الأطراف المتحاربة، وتحديدًا مع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، للحصول على موافقة على وقف إطلاق النار المؤقت في الفاشر، المدينة التي تمثل إحدى أعقد جبهات القتال في دارفور حاليًا.
وفي خطوة وصفت بأنها إيجابية لكنها هشة، أعلن البرهان موافقته على هدنة إنسانية لمدة أسبوع، مشيرًا إلى دعمه لوصول المساعدات، خاصة بعد استهداف قافلة تابعة لليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي في هجوم سابق زاد من قتامة المشهد.
*نقطة اشتعال محتملة*
مدينة الفاشر، الواقعة في ولاية شمال دارفور، تعاني من حصار فعلي من قبل قوات الدعم السريع، ما أدى إلى انقطاع الإمدادات الغذائية والطبية، وتفشي الأمراض، وسط ظروف معيشية تُقارب المجاعة.
تحذيرات غوتيريش جاءت واضحة: "المدنيون يتضورون جوعًا"، في إشارة أن الكارثة لم تعد محتملة بل واقعة.
وفي نيويورك، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة الأزمة، حيث حذرت مساعدة الأمين العام لشؤون أفريقيا، مارثا بوبي، من خطر امتداد النزاع إلى خارج السودان، مشيرة أنه "لا توجد مؤشرات حقيقية على قرب نهايته"، في ظل تعنّت الأطراف وسعي كل طرف لتحقيق انتصار عسكري حاسم.
بوبي كشفت أيضًا عن معلومات مقلقة تتعلق بتجنيد الدعم السريع لمقاتلين من جمهورية أفريقيا الوسطى، وتزايد وجودهم في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، والتي تُعتبر نقطة اشتعال محتملة تهدد بنسف جهود الاستقرار في المنطقة.
.
كما أدانت الأمم المتحدة هجمات شنتها جماعات مسلحة يُعتقد أنها سودانية على قوات بعثة "مينوسكا" الأممية في أفريقيا الوسطى.
*طريق طويل*
على الأرض، يتزايد استخدام الطائرات المسيّرة في المعارك، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين، ونزوح جماعي من مدن كانت تُعد مستقرة نسبيًا، مثل الأبيض في ولاية شمال كردفان، والتي حذرت الأمم المتحدة من أنها قد تتحول إلى جبهة اشتعال جديدة في الأسابيع المقبلة.
وفي السياق نفسه، شارك مبعوث منظمة "إيغاد" الخاص للسودان، لورانس كورباندي، في اجتماع تشاوري في بروكسل ضم ممثلين عن الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي، الأمم المتحدة، وعدد من الدول المعنية..
ركزت المشاورات على تنسيق الجهود لخفض التصعيد، وضمان تدفق المساعدات، وتمهيد الطريق لعملية انتقال سياسي شاملة تبدأ بتعيين رئيس وزراء مدني، وهي خطوة رحبت بها الأمم المتحدة عقب اختيار الدكتور كامل إدريس لهذا المنصب مؤخرًا.
غير أن الطريق نا يزال طويلًا، فالخلافات العميقة بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتشظي السياسي داخل معسكرات المعارضة المدنية، فضلاً عن التدخلات الإقليمية، تجعل من تحقيق اختراق دبلوماسي أمرًا بالغ التعقيد.
فالسودان اليوم ليس مجرد ساحة صراع بين قوتين، بل ساحة تنافس دولي، وتداخل مصالح إقليمية، وصراع على الموارد، وتراكم تاريخي للثأر والضغينة، ما يحول دون بلورة تسوية شاملة.
*فشل المجتمع الدولي*
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد المختار، أن ما يجري في السودان وتحديدًا في دارفور، وتفاقم الأوضاع في الفاشر، هو نتاج مباشر لفشل المجتمع الدولي في التعاطي الجاد مع جذور الأزمة السودانية منذ اندلاعها.
ويضيف: أن التحركات الأممية الأخيرة، رغم أهميتها الرمزية والإنسانية، ما تزال قاصرة عن ملامسة عمق الأزمة، وتفتقر إلى الضغط الحقيقي على الأطراف المتنازعة لوقف الحرب والانخراط في مسار سياسي واضح المعالم.
ويشير المختار في حديثه لـ"العرب مباشر"، إلى أن الأزمة لم تعد محلية الطابع، بل باتت تحمل ملامح صراع إقليمي بالوكالة، حيث توجد أطراف خارجية تدعم الفصائل المتنازعة بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يعقّد جهود الوساطة ويحوّل السودان إلى ساحة لتصفية الحسابات الجيوسياسية.
ويرى أن مدينة الفاشر تحوّلت إلى نقطة ارتكاز رمزية واستراتيجية لأي من الطرفين، ما يفسّر الإصرار على الحسم العسكري فيها، رغم كلفته الإنسانية الباهظة.
ويؤكد المختار أن نجاح أي مبادرة أممية مشروط بوجود إرادة سودانية حقيقية للسلام، وإجماع إقليمي يضمن وقف التدخلات، إلى جانب آلية واضحة للمحاسبة على الجرائم والانتهاكات، وإلا فإن السودان سيبقى رهينة لدورة عبثية من الحروب والفشل السياسي.