معاناة المصابين بفيروس "كورونا" في مستشفيات العزل القطرية

معاناة المصابين بفيروس
صورة أرشيفية

في الشدّة تظهر معادن الناس، ومنذ أن حلّت أزمة تفشي وباء "كورونا" في قطر وتوالت الأزمات بشكل أظهر أسوأ ما في الناس من صفات، فالبعض سارع لتخزين الدواء رغم عدم احتياجه إليه، ورغم وجود مرضى في أشدّ الحاجة لجرعة دواء قد تنقذ حياتهم، وآخرون تكدسوا في الأسواق التجارية لشراء ما يكفيهم من طعام لأكثر من عام وترك الأرفف فارغة رغم تأكده من وجود مئات الآلاف في بلاده من العمالة الوافدة فقط يملكون القدرة على شراء احتياجاتهم شهرًا بشهر، أما أبشع ما ظهر من صفات فهو ما يحدث في المستشفيات نفسها الخاصة بالعزل، والتي شهدت قصصًا مروعةً عن جحود الأبناء وإلقائهم لآبائهم دون السؤال عنهم ولو بالهاتف، وحتى في حالات الوفاة يرفض أن يأتي أي شخص لاستلام المتوفى رغم اتخاذ الإجراءات الوقائية التي تضمن عدم إصابته، مشاهد ومواقف أصابت الآباء بالصدمة في أبنائهم الذين تخلوا عنهم في أشدّ لحظات احتياجهم للدعم.
 

الإحصائيات تكشف.. قطر الأكثر إصابة في العالم مقارنة بعدد السكان


أعلنت وزارة الصحة القطرية، تسجيل أربع وفيات جديدة جرّاء الإصابة بفيروس "كورونا" المستجدّ، ليرتفع إجمالي عدد الوفيات في البلاد إلى 98 وفاة، وقالت الوزارة، في بيان صحفي على موقعها الإلكتروني: إنه تم تسجيل 881 إصابة جديدة بالفيروس خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ليرتفع إجمالي الإصابات في البلاد إلى 87369 حالة.


من جانبه، أظهر موقع Worldometers  الإلكتروني، المتخصص في رصد إصابات فيروس "كورونا" حول العالم، أن عدد المصابين يوم السبت الماضي تجاوز 8.820 مليون شخص، فيما تخطت دولة قطر بأعداد المصابين فيها والحالات المسجلة رسميًا، ما سجَّلته الصين، بؤرة الفيروس، والدولة الأولى التي انتشر فيها.
أشارت إحصائيات الموقع إلى أن قطر في المرتبة الـ 21 عالميًا من حيث عدد الإصابات، فيما تبلغ المركز الأول عالميًا، بعدد الإصابات نسبة لعدد السكان.


وتوفي جرّاء الإصابة بالفيروس نحو 464 ألف شخص، فيما تعافى نحو 4 ملايين و 662 ألف حالة. وانتشر الفيروس في أكثر من 215 دولة ومنطقة في أنحاء العالم منذ ظهور الفيروس في الصين في ديسمبر عام 2019.
 
رفضوا استلام والدتهم بعد شفائها وطالبوا المستشفى بوضعها بدار مسنين


يقول فارس. هـ، طبيب في أحد مستشفيات العزل بقطر، كفاحنا ضد كورونا خلال الفترة الماضية أظهر العديد من المواقف الإنسانية التي يظهر من خلالها المعدن الحقيقي للناس، وأكثر ما كان يوجع المرضى هو جحود أبنائهم والوحدة التي يشعرون بها والتي تفوق آلامهم فيها آلام المرض نفسه.


وأضاف، رأيت بعيني عدة مواقف أصابتني باكتئاب حادّ ولولا ظروف تفشِّي الوباء وزيادة عدد الحالات بشكل ضخم ورفض الإجازات كنت فضلت البقاء في منزلي هربًا من تلك المواقف التي لا أستطيع احتمالها، سيدة قطرية تخطت الستين من عمرها، جاءت مصابة بفيروس "كورونا" وحالتها متدهورة للغاية، كانت ترفض تناوُل العلاج في البداية بسبب رفضها للعزل عن البشر وعدم رؤية أحد، وأخبرتني أنها لا تستطيع العيش دون رؤية أبنائها وأحفادها، وتطالبني بأن أخرجها من المستشفى على مسؤوليتها الخاصة، فأخبرتها أن ذلك يمثل خطرًا على حياتها وحياة أبنائها وأحفادها لذلك قررت تلقي العلاج والخروج بعد أن تتماثل للشفاء خوفًا على أبنائها وأبنائهم في المقام الأول.


وتابع، فجأة تغيَّرت حالتها 180 درجة، وبدأت حالتها في التحسن بالفعل، وأخذنا منها مسحة لتؤكد شفاءها تمامًا من الفيروس القاتل، فأخبرتني بأن أتصل بأبنائها ليأتوا إلى المستشفى وتعود للمنزل وأخبرتها أنها ستبقى 3 أيام أخرى لأخذ مسحة أخرى لزيادة الأمان وتقبلت الأمر.


يقول "د.فارس"، الصدمة كانت عندما اتصلت بأبنائها وأخبرتهم أن والدتهم شفاها الله وأنها ستستطيع الخروج خلال 3 أيام على الأكثر ونرجو أن يحضر أحدكم لاستلامها، فأعطاني الابن رقم شقيق آخر وقال لي لن أستطيع فأنا سأسافر فقلت له كيف تسافر وإلى أين والحركة الجوية معطلة بالكامل فارتبك وأخبرني ألا أتدخل فيما لا يعنيني.


وأضاف، فاتصلت بالشقيق الآخر، فأخبرني هل هناك احتمالية لإصابة الأم مرة أخرى بالفيروس، فأخبرته أن تجدد الإصابة وارد، فقال لي لن يأتي أحد لاستلامها وطالبني بأن أودعها في إحدى دور رعاية المسنين، فأخبرته بخطورة ذلك على حياتها حيث إن شوقها إليهم هو مَا ساعدها في تخطي مرحلة الخطورة وأن صدمة نفسية بتلك القسوة قد تتسبب في تدهور حالتها، فأغلق الخط في وجهي ولم يعد يجيب.
 
جحود الأبناء كان أقسى على الآباء من المرض وآلامه


في السياق ذاته، يقول د. "فارس"، أما ثاني الحالات فكانت لرجل تخطى الستين عامًا، وجاء مصابًا بفيروس كورونا وتدهورت حالته سريعًا وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعي وقد تأكدنا بنسبة كبيرة أنه لن ينجوَ بسبب معاناته من عدة أمراض مزمنة، إلا أن الله شاء أن يفيق الرجل ويتحسن تدريجيًا خلال عدة أيام.


وتابع، وقبل خروجه من المستشفى بـ 24 ساعة، أعطيته هاتفه وطالبته بأن يتصل بأحد أبنائه حتى يأتي ويصطحبه إلى المنزل، وبقيت بجانبه حتى أرى وأسمع صوت فرحة الأهل بشفاء مرضاهم، وبالفعل اتصل الوالد وأخبر نجله بأن الطبيب أمر بخروجه غدًا من المستشفى.


وأضاف، كان الرد صادمًا حيث أجاب الابن "وهل تريد العودة إلى المنزل لتنقل العدوى إلى أشقائي وأبنائي، ابقَ في المستشفى أفضل لك ولنا"، فأخبره الأب أن المستشفى لن تسمح له بالخروج وهو مريض، ومعنى أن يسمحوا له بالخروج هو أنه أصبح سليمًا معافى فثار الابن وأخبره أنه سيتسبب في قتلهم جميعًا ولن يسامحه أحد فطلب الأب مني أن أتحدث لابنه لأقنعه بأهمية خروج الوالد من المستشفى لأن بقاءه فيه خطورة على حياته، وقال له الطبيب سيشرح لك الوضع، وأخذت الهاتف فأغلق الابن الهاتف ولم يردّ علينا مرة أخرى. 


وأضاف، الجميع هنا يكره فيروس كورونا لأنه أظهر أسوأ ما فينا، فرأينا أبناء لا يريدون دفن آبائهم وآخرين لا يريدون عودتهم إلى منازلهم مرة أخرى وعلى العكس رأينا الأبناء المصابين كيف تتصل بنا الأم والأب يوميًا ويحتفلون بشفائه ويأتون لأخذه لمنزله بكل حب وفرحه.