طرابلس تنتفض للأسبوع الثالث.. دعوات لإسقاط الحكومة وتحجيم المليشيات

طرابلس تنتفض للأسبوع الثالث.. دعوات لإسقاط الحكومة وتحجيم المليشيات

طرابلس تنتفض للأسبوع الثالث.. دعوات لإسقاط الحكومة وتحجيم المليشيات
انتفاضة طرابلس

تعيش العاصمة الليبية طرابلس منذ أسابيع على وقع احتجاجات متصاعدة، تعبّر عن سخط شعبي متراكم تجاه حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ما بدأ كاحتجاجات متفرقة على مقتل قيادي مليشياوي تطور إلى حراك جماهيري واسع، يطالب بإسقاط الحكومة، وتفكيك شبكات المليشيات، وإعادة إطلاق العملية السياسية المتعثرة.

 اللافت في هذا التصعيد أنه يأتي في ظل صمت رسمي مطبق من حكومة الدبيبة، يقابله زخم شعبي متزايد يتغذى من مشاهد الفوضى والانفلات الأمني، ويدفع باتجاه تغيير جذري، في المقابل، تسعى دول الجوار، خاصة مصر وتونس والجزائر، إلى لعب دور الوسيط في تهدئة الساحة الليبية، وتقديم مقترحات لإعادة إطلاق العملية السياسية تحت مظلة أممية، وبين مطرقة الشارع وسندان التوازنات الإقليمية والدولية، تجد ليبيا نفسها على حافة مفترق حاسم، قد يقود إما إلى استحقاق انتخابي طال انتظاره أو إلى جولة جديدة من الفوضى والصراع.


*احتجاجات شعبية*


شهدت العاصمة الليبية طرابلس ومدن أخرى في الغرب الليبي، للجمعة الثالثة على التوالي، موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية، مطالِبة بتنحية حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. 

وتجمع المئات من المتظاهرين في ميدان الشهداء بقلب طرابلس، إضافة إلى مدن الزاوية وجنزور وسوق الجمعة، في مشهد حمل دلالات سياسية لافتة، لا سيما مع رفع المتظاهرين بطاقات حمراء تعبيرًا عن رفضهم لاستمرار الحكومة، إلى جانب شعارات تطالب برحيلها، وتتهمها بالتواطؤ مع المليشيات واستغلال مؤسسات الدولة لتكريس سلطتها.

ما يميز هذا الحراك أنه جاء إثر حادثة مقتل عبد الغني الككلي، المعروف بـ"غنيوة"، رئيس جهاز دعم الاستقرار الموالي للمجلس الرئاسي، في اشتباكات مسلحة وسط العاصمة.

وقد فُسّرت تلك الاشتباكات على أنها تصفية داخلية تُعبّر عن تفاقم التوترات بين أجنحة السلطة والميليشيات، وسط اتهامات مباشرة لحكومة الدبيبة بالضلوع في إشعال فتيل الأزمة، سواء عبر صمتها أو عبر تحالفاتها الضمنية مع جماعات مسلحة.

*عملية أمنية ناجحة*


في المقابل، برّر رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة هذه التطورات بالقول: إن ما جرى "عملية أمنية ناجحة" تهدف إلى تحجيم نفوذ ميليشيات خارجة عن القانون، لكنه لم يقدم توضيحات إضافية حول أسباب الاشتباكات، أو الكيفية التي ستتعامل بها الحكومة مع الغليان الشعبي المتصاعد.

ورغم التوترات، تلتزم حكومة الدبيبة الصمت إزاء مطالب الشارع، ما فُسِّر على أنه تجاهل مقصود للضغوط الشعبية، أو رهان على الوقت لإخماد جذوة الاحتجاجات، في حين يرى متابعون أن هذا الصمت قد يؤجّج المشهد أكثر، في ظل انسداد الأفق السياسي واستمرار الانقسامات داخل مؤسسات الدولة الليبية.

أما على المستوى السياسي، فإن البرلمان الليبي، ومقره في الشرق، يسرّع من جهوده لتشكيل حكومة جديدة كبديل عن حكومة الدبيبة، ما يزيد من تعقيد المشهد، في ظل غياب التوافق على آلية المرحلة المقبلة أو جهة شرعية موحدة تشرف على انتخابات عامة.

*القاهرة تنسق*


في هذا السياق المعقد، دخلت دول الجوار على خط الأزمة، في محاولة لاحتواء التدهور المتسارع. فقد استضافت القاهرة اجتماعًا ثلاثيًا ضم وزراء خارجية مصر والجزائر وتونس، ضمن إعادة تفعيل "الآلية الثلاثية" التي توقفت منذ 2019، بهدف تنسيق المواقف ومقاربة الوضع الليبي برؤية إقليمية موحدة.

البيان الختامي للاجتماع شدد على ضرورة الحفاظ على وحدة التراب الليبي، ورفض التدخلات الخارجية، ومساندة جهود الأمم المتحدة في إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة، إضافة إلى دعم عملية سياسية شاملة تؤدي إلى انتخابات شفافة في أسرع وقت ممكن.
وأبرز وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أهمية الملف الليبي بالنسبة للأمن القومي لدول الجوار، مشيرًا إلى ضرورة تحصين ليبيا من الانزلاق مجددًا في الفوضى، ودعم كل المساعي التي تفضي إلى تسوية سلمية شاملة.

ولفت أن مصر والجزائر وتونس ترتبط بليبيا بروابط تاريخية وجغرافية وثيقة، ما يمنحها دورًا محوريًا في مرافقة أي مسار سياسي.

غير أن المبادرات الإقليمية والأممية تصطدم بحقيقة مفادها أن الأطراف الليبية نفسها ما تزال عاجزة عن تقديم تنازلات متبادلة، أو الاتفاق على آلية واضحة للخروج من الانقسام. 

وفي ظل استمرار هذا الجمود، قد يتحول الحراك الشعبي المستمر إلى عامل ضغط داخلي فاعل، إما لدفع نحو توافق جديد أو لتأجيج الانقسام أكثر.

من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي عبد الحكيم معتوق، أن ما يجري في طرابلس ليس مجرد احتجاجات عابرة، بل "مؤشر على تحوّل جذري في المزاج الشعبي تجاه السلطة القائمة، التي فشلت في توفير أبسط مقومات الأمن والكرامة والسيادة".

ويقول معتوق في حديثه لـ"العرب مباشر"، أن الدبيبة لا يُحاسب فقط على مقتل غنيوة أو فوضى الميليشيات، بل على سنوات من الانسداد، من اللعب على الحبال بين الفصائل، وعلى محاولات فرض الأمر الواقع بالقوة وبالمال العام.

ويضيف: "غياب خطاب رسمي واضح تجاه ما يجري هو عجز مقنّع، الحكومة تراهن على أن الحراك سيتلاشى، لكنها لا تدرك أن الشارع تجاوز حالة الخوف، وأن الجيل الجديد لم يعد يهاب السلاح ولا الساسة.

أما على الصعيد الإقليمي، فيعتقد معتوق، أن "تحرك مصر والجزائر وتونس "مؤشر إيجابي لكنه متأخر، لأن الفاعلين الحقيقيين في الداخل لم يعودوا يستمعون إلا لصوت مصالحهم المباشرة، لا لمبادرات الخارج.

ويختم بالقول، إما أن تلتقط الطبقة السياسية هذه اللحظة وتعيد تأسيس مسار جامع يقود إلى انتخابات نزيهة، أو أن نكون أمام موجة جديدة من التشظي قد تتجاوز حتى حدود طرابلس هذه المرة.