إحرام الكعبة.. لحظة روحانية تعلن بدء موسم الحج لعام 1446هـ

إحرام الكعبة.. لحظة روحانية تعلن بدء موسم الحج لعام 1446هـ

إحرام الكعبة.. لحظة روحانية تعلن بدء موسم الحج لعام 1446هـ
كسوة الكعبة

في مشهد يفيضو بالرهبة والسكينة، رفعت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الجزء السفلي من كسوة الكعبة المشرفة لمسافة ثلاثة أمتار، وذلك في إطار الاستعدادات الجارية لموسم حج 1446هـجريًا. 

 هذه الخطوة التي تتكرر سنويًا تُعرف باسم "إحرام الكعبة"، وهي تقليد متجذر في التاريخ الإسلامي، يعكس قدسية الزمان والمكان، ويعلن بصمت روحاني قرب دخول الركن الخامس من أركان الإسلام.

تم تنفيذ عملية الرفع بعناية فائقة ومشاركة فريق متخصص من مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة، وبإشراف مباشر من الهيئة المختصة، حيث تم فك الأجزاء السفلية من الكسوة، ورفعها وتثبيتها بعناية على ارتفاع ثلاثة أمتار، ثم تغطية الجزء المكشوف بقماش قطني أبيض يبلغ عرضه نحو مترين من جميع الجهات، في مظهر فريد يخطف أنظار الطائفين.

هذا الطقس المهيب لا يقتصر على كونه إجراءً تنظيميًا لحماية الكسوة من العبث أو التمزق نتيجة التزاحم، بل يحمل دلالات رمزية وروحية عميقة.

رفع الكسوة بلون أبيض يشبه لباس الإحرام، يعد إعلانًا صامتًا لقدوم موسم الحج، ويذكر المسلمين ببدء العد التنازلي لأيام الحج المباركة.

من تقليد عباسي إلى رمز عالمي

يعود أصل هذا الطقس إلى العصر العباسي، حين أمر الخليفة عبد الله المأمون برفع كسوة الكعبة واستبدال الجزء السفلي منها بإزار أبيض، لتُعرف الكعبة آنذاك بأنها "أحرمت"، وهو تعبير كان يستخدمه الناس آنذاك حين يشاهدون الكعبة مغطاة بالإزار الأبيض في أواخر ذي القعدة.

ومع مرور الزمن، تحول هذا الفعل الرمزي إلى تقليد سنوي ثابت، يعكس استعداد الكعبة لتبديل ثوبها في يوم عرفة. 

في هذا اليوم تحديدًا، تزال الكسوة القديمة ويتم كساؤها برداء جديد مصنوع من الحرير الخالص المطرز بخيوط الذهب، في طقس روحاني يتابعه المسلمون في جميع أنحاء العالم.

وينفذ هذا التقليد أيضًا لأسباب عملية، منها حماية الجزء السفلي من الستار من الاحتكاك المباشر بالحجاج، لا سيما خلال ذروة الطواف في موسم الحج، حين يقترب مئات الآلاف من الكعبة في وقت واحد. 

وقد حرصت الجهات المختصة على تنفيذ عملية الرفع وفق أعلى معايير السلامة والدقة والاحترام لقدسية المكان، لضمان تنفيذ الطقس دون التأثير على حركة الطائفين أو سلامة الحجاج.

رمزية عابرة للزمان والمكان

رفع كسوة الكعبة ليس فقط إجراءً تنظيميًا أو طقسًا متوارثًا، بل هو رسالة بصرية قوية تجدد في نفوس المسلمين حول العالم معاني الإخلاص والتجرد، وتعيدهم إلى جوهر الحج بوصفه رحلة روحانية تتجلى فيها مفاهيم المساواة والخشوع.

كذلك إعلان رمزي صامت لكنه عميق الأثر، ينبئ بأن الكعبة بدأت استعدادها لاستقبال ضيوف الرحمن. 

كما يعد علامة بصرية عابرة للزمان والمكان، تصل حتى أولئك الذين لم تطأ أقدامهم مكة بعد، وتربطهم بأجواء الحج وتجدد فيهم الشوق والحنين لهذا المقام العظيم.