من المطلوب إلى الشريك.. لقاء ترامب والشرع يمهّد لانعطافة جذرية في العلاقات الأميركية السورية

من المطلوب إلى الشريك.. لقاء ترامب والشرع يمهّد لانعطافة جذرية في العلاقات الأميركية السورية

من المطلوب إلى الشريك.. لقاء ترامب والشرع يمهّد لانعطافة جذرية في العلاقات الأميركية السورية
الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي وأحمد الشرع

لأكثر من عقدين، ظلّ الملف السوري محصورًا في زاوية التوتر والقطيعة داخل أروقة السياسة الأميركية، تتراكم فيه العقوبات وتُعلّق عليه الملفات الساخنة في الشرق الأوسط، من إيران إلى إسرائيل مرورًا بلبنان والعراق، لكن ما لم يكن واردًا حتى في أكثر سيناريوهات التحوّل جرأة، أصبح اليوم واقعًا: الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفي خضم زيارته للسعودية، قابل نظيره السوري أحمد الشرع، مقرنًا ذلك بإعلان رفع شامل للعقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق/ لحظة سياسية مشحونة بالتساؤلات ومفتوحة على احتمالات متناقضة، بين فرصة لفتح صفحة جديدة وبين مجازفة استراتيجية غير محسوبة، فالرجل الذي كانت واشنطن تلاحقه بجوائز مالية، بات اليوم يجلس على طاولة واحدة مع رئيس أقوى دولة في العالم، ما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن أمام تحوّل تكتيكي مؤقت، أم أمام بداية هندسة توازنات جديدة في الشرق الأوسط؟

*صياغة جديدة*


في خطوة وُصفت بأنها مفصلية وغير مسبوقة منذ عقود، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قراره برفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا.

ويأتي هذا التطور بعد سنوات من العداء الأميركي المعلن، والعقوبات الاقتصادية الصارمة، بل ومطاردة شخصية للرئيس الشرع إبان قيادته لتحالف مسلح أطاح بنظام بشار الأسد.

اللقاء المرتقب في الرياض لا يُعيد فقط العلاقات الأميركية السورية إلى الطاولة، بل يحمل دلالات رمزية وسياسية تتجاوز العلاقة الثنائية، نحو صياغة جديدة للمشهد الإقليمي برمّته.

إذ إن هذا اللقاء هو الأول من نوعه منذ اجتماع الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد في جنيف عام 2000، وهو يعكس توجهًا واضحًا من إدارة ترامب لإعادة هندسة علاقتها بدمشق وفق مقاربة أكثر براغماتية، قائمة على المصالح الاستراتيجية لا على الحسابات الأيديولوجية.

*من المطلوب إلى الشريك*


حتى وقت قريب، كانت واشنطن تعتبر الشرع شخصية غير شرعية، بل وملاحقة، مع جائزة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله.

لكن منذ إسقاط إدارة بايدن للمكافأة في أواخر عام 2024، بدا أن هناك مرونة متزايدة في الموقف الأميركي، وإن لم تُترجم رسميًا حتى الآن.

إدارة ترامب، كما يبدو، قررت الذهاب أبعد من ذلك، معتبرة أن الرهان على الشرع كرئيس شرعي قد يكون مدخلًا لضبط إيقاع التوازنات داخل سوريا، واحتواء تمدد الفصائل الراديكالية التي استفادت من انهيار النظام السابق.

وقد يكون هذا التحول مرتبطًا أيضًا بحسابات تتعلق بتعقيد الجبهة الإيرانية، خصوصًا مع التقارب بين طهران ودمشق في مرحلة ما بعد الحرب، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا متزايدًا لنفوذها في المنطقة.

من هنا، فإن توثيق العلاقات مع دمشق الجديدة لا يأتي حبًا في الشرع، بل سعيًا لتقليص النفوذ الإيراني، ومنع تحول سوريا إلى قاعدة استراتيجية إضافية لطهران على المتوسط.

*قلق إسرائيلي وتوازن الحلفاء*


قرار ترامب لم يمر مرور الكرام في تل أبيب، حيث عبّرت مصادر أمنية إسرائيلية عن "قلق بالغ" من إمكانية رفع الغطاء السياسي عن العمليات الإسرائيلية في الداخل السوري، والتي كانت تُنفذ ضمن سياسة "منع التموضع الإيراني".

فإسرائيل تنظر بعين الريبة إلى أي تقارب أميركي- سوري، وتخشى من أن يؤدي هذا المسار إلى تضييق هامش تحركها العسكري، لا سيما مع غياب الوضوح حول مستقبل العلاقة بين الشرع وطهران.

في المقابل، تراهن إدارة ترامب على أن اللقاء يمكن أن يكون بداية لفتح قنوات خلفية جديدة، ليس فقط مع دمشق، بل أيضًا مع شركاء إقليميين آخرين، بما في ذلك تل أبيب، من خلال ربط مسارات التطبيع والتنسيق الأمني.

ويبدو أن السعودية لعبت دورًا تسهيليًا في هذا المسار، عبر استضافة اللقاء ورعاية مخرجاته الأولى، في مؤشر على تحوّل الرياض إلى منصة دبلوماسية جديدة لموازنة أزمات الشرق الأوسط.

*خطاب اقتصادي بلغة سياسية*


"حان وقت تألق سوريا"، قالها ترامب في منتدى الاستثمار بالرياض، مستخدمًا لغة تجارية مألوفة لديه، لكنه يرسل بها رسالة مزدوجة: الأولى لرجال الأعمال الأميركيين بفتح سوق جديدة محتملة في إعادة إعمار سوريا، والثانية لحلفائه الإقليميين بأن واشنطن لا تمانع في إعادة دمج النظام السوري إذا التزم بالشروط السياسية المطلوبة.

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني سارع إلى الترحيب بالقرار، واصفًا إياه بـ"نقطة التحول" في مسيرة الشعب السوري. 

كما أبدى استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع واشنطن على قاعدة "الاحترام والمصالح المتبادلة"، من دون أن يحدد ما إذا كان ذلك يشمل مراجعة علاقاتها مع طهران أو مع الفصائل المسلحة السابقة.


*سلام تاريخي.. أم صفقة تكتيكية؟*


من جانبهم، أكد مراقبون أن الأسئلة ما تزال معلقة، فهل قرار ترامب يعكس رغبة حقيقية في سلام شامل يعيد سوريا إلى الحظيرة الدولية، أم أنه مجرّد ورقة تفاوضية ضمن معركة كبرى مع إيران؟ وهل يمكن للشرع أن يفي بالتعهدات الضمنية التي يتوقعها منه الأميركيون، فيما يتعلق بضبط الأمن الداخلي، واحترام التعددية، وتقديم تنازلات ملموسة في ملف المعتقلين وحقوق الإنسان؟

المحلل السوري إبراهيم حميدي وصف اللقاء بأنه، "تحول استراتيجي"، لكنه حذّر من الإفراط في التفاؤل، مشيرًا أن العلاقات الأميركية السورية لطالما خضعت لحسابات متغيرة، وأن اختبار النوايا لا يزال في بداياته.

وأضاف: أن ما بعد اللقاء هو الأهم، ليس فقط من حيث النتائج المعلنة، بل من حيث مدى قدرة الطرفين على إدارة ما قد يبدو، حتى الآن، كخطوة على طريق طويل محفوف بالمفاجآت.