الخليج يفتح لترامب أبواب التأييد.. الأسواق تصعد والشعبية تتزايد
الخليج يفتح لترامب أبواب التأييد.. الأسواق تصعد والشعبية تتزايد

في لحظة سياسية واقتصادية فارقة، يترجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جولته الخليجية إلى مكاسب ملموسة على أكثر من جبهة، فبينما يواصل تنقله بين عواصم المنطقة حاملاً رسائل سياسية وتفاهمات استراتيجية، تكشف استطلاعات الرأي داخل الولايات المتحدة عن ارتفاع لافت في شعبيته، هذا التزامن ليس وليد الصدفة، بل نتيجة مباشرة لجملة من التحركات الاقتصادية التي أعلنها مؤخرًا، وعلى رأسها وقف الحرب التجارية مع الصين وتوقيع اتفاق تجاري جديد مع بريطانيا، ارتدادات هذه القرارات لم تتوقف عند حدود العلاقات الدولية، بل تسربت سريعًا إلى السوق الأمريكية، حيث سجّلت المؤشرات المالية قفزات مفاجئة، واستعادت الثقة الاقتصادية بعضًا من توازنها.
*لحظات نادرة*
بينما تواصل طائرته الرئاسية حطّ الرحال في العواصم الخليجية، يعيش الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحظة نادرة من التقاطع بين السياسة الخارجية والارتياح الداخلي.
فقد أظهر استطلاع مشترك أجرته "رويترز" و"إبسوس"، أن نسبة تأييد ترامب ارتفعت إلى 44%، بعد أن كانت 42% في استطلاع الشهر السابق.
ورغم أن هذا الصعود يبدو محدودًا رقميًا، فإنه من الناحية السياسية يعكس تحسنًا ملحوظًا في مزاج الناخب الأمريكي تجاه إدارته، مدفوعًا بجملة من الأخبار الإيجابية التي أفصح عنها الرئيس مؤخرًا.
أبرز هذه التطورات كان الإعلان المفاجئ عن تعليق الحرب التجارية مع الصين، التي شكّلت واحدة من أكثر جولات الشد والجذب الاقتصادي بين القوتين العالميتين.
الاتفاق على خفض الرسوم الجمركية المتبادلة أعاد الحيوية إلى الأسواق المالية، حيث قفز مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 1000 نقطة في جلسة واحدة، وهو مكسب لم يأتِ في سياق اقتصادي داخلي بحت، بل تزامن مع خطوات ترامب الخارجية، بما فيها تعزيز العلاقات التجارية مع الخليج، وفتح قنوات جديدة مع المملكة المتحدة.
*تغيرات سياسية*
من جهة أخرى، ساهمت هذه التحركات في تهدئة مخاوف كانت تتصاعد بشأن دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود.
فقد تراجعت نسبة المشاركين في الاستطلاع الذين أعربوا عن قلقهم من الركود الاقتصادي من 76% الشهر الماضي إلى 69%، كما انخفضت نسبة القلق من أداء سوق الأسهم من 67% إلى 60%. هذا التغير في المزاج العام لا يُفهم بمعزل عن التغيرات السياسية التي طغت على عناوين الصحف، ولا عن الإشارات التي بثها ترامب من الخليج بشأن استقرار الأسواق العالمية.
*أمريكا أولًا*
فجولته في السعودية، وقطر والإمارات، لم تكن مجرّد رحلة دبلوماسية كلاسيكية، بل حملة دعائية منظمة تهدف إلى تقديمه كرئيس قادر على ضبط الإيقاع العالمي سياسيًا واقتصاديًا.
وقد جاءت مشاركته في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي كرسالة واضحة للمستثمرين داخل الولايات المتحدة بأن "أمريكا أولاً" لا تعني الانغلاق، بل تعني قيادة التحولات العالمية من موقع القوة.
اقتصاديًا، يبدو أن الرسالة وصلت، إذ سجلت شعبية ترامب في إدارة الملف الاقتصادي ارتفاعًا بنسبة 3% لتصل إلى 39%، وهو تحسن ملحوظ في وقت تتراجع فيه مؤشرات الاقتصاد العالمي.
هذا الصعود في تأييد ترامب يأتي أيضًا في لحظة يجهّز فيها البيت الأبيض لرسم خطوط حملة انتخابية جديدة، تبدأ من الخليج ولكنها تهدف إلى التأثير في الداخل الأمريكي، خصوصًا في صفوف رجال الأعمال وأصحاب المصالح المالية الذين يراقبون أداء السوق عن كثب.
كما أن الاتفاق مع المملكة المتحدة بعد توقف مفاوضات طويلة، يُعتبر انتصارًا مهمًا يُضاف إلى سجل إنجازات ترامب في ملف التجارة الخارجية.
فبريطانيا، التي ما تزال تبحث عن توازن ما بعد "البريكست"، تمثل حليفًا استراتيجيًا وتاجرًا نافعًا بالنسبة لإدارة تسعى إلى تثبيت صورتها كصاحبة اليد العليا في إعادة هندسة التجارة العالمية.
الربط بين السياسة الخارجية وتحقيق المكاسب الاقتصادية ليس جديدًا، لكنه في عهد ترامب يتحول إلى استراتيجية محكمة، يبرع في تسويقها داخليًا بمزيج من التصريحات النارية والصفقات الذكية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، يبدو أن إدارة ترامب تراهن على هذه التركيبة للحفاظ على زخم التأييد الشعبي، في معركة لن تكون سهلة، لكن مؤشراتها الأولية تبدو في صالح الرئيس الذي يعرف كيف يقرأ لغة الأسواق قبل أن يخاطب صناديق الاقتراع.
*نقطة تحول*
يرى الدكتور على الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي، أن جولة ترامب الخليجية تمثل نقطة تحول مهمة في رسم ملامح المرحلة المقبلة من سياساته، خاصة على مستوى الداخل الأمريكي.
ويقول في حديثه لـ"العرب مباشر": الارتباط بين جولته الخارجية وبين ارتفاع نسبة التأييد الشعبي له ليس مصادفة، بل هو نتاج تداخل متقن بين القرار السياسي والدينامية الاقتصادية التي يوظفها ترامب ببراعة لصالح حملته المتجددة.
ويشير الإدريسي، أن وقف الحرب التجارية مع الصين يمثل عامل تهدئة دوليًا، لكنه أيضًا يزيل عبئًا داخليًا كان يهدد السوق الأمريكي، مضيفًا، ما فعله ترامب في هذا الملف يمنحه نقاطًا سياسية واقتصادية على حد سواء، كما يعزز ثقة المستثمرين، وهو ما انعكس مباشرة في البورصات ونسب القلق الاقتصادي"، بحسب تعبيره.
أما الاتفاق مع بريطانيا، فيراه الإدريسي رسالة موجهة لحلفاء واشنطن التقليديين بأن أمريكا ما تزال منفتحة على الشراكة، لكنها تختار توقيتها وشروطها. "هذا الخطاب يُقرأ جيدًا في الداخل الأمريكي، ويمنح الناخب العادي شعورًا بأن الرئيس يُدير الدولة بمنطق الصفقة الرابحة".
ويختم الإدريسي بالقول: "إن ترامب لا يكتفي بتحسين صورته في الخارج، بل يوظف كل زيارة وكل إنجاز ليصوغ سردية نجاح داخلي، قد تشكل رافعة مهمة في معركته الانتخابية المقبلة".