سوريا في الميزان: هل يفتح أحمد الشرع الباب لفيدرالية حقيقية؟

سوريا في الميزان: هل يفتح أحمد الشرع الباب لفيدرالية حقيقية؟

سوريا في الميزان: هل يفتح أحمد الشرع الباب لفيدرالية حقيقية؟
أحمد الشرع

منذ اندلاع الثورة السورية قبل أكثر من عقد، ظل مطلب التعددية السياسية والاعتراف بتنوع المجتمع السوري مؤجلًا في شعارات عامة، دون أن يترجم إلى هندسة سياسية واضحة، اليوم، وبعد سقوط النظام السابق وصعود قيادة انتقالية بقيادة أحمد الشرع، يُفتح هذا الباب مجددًا، لكن بشروط أكثر تعقيدًا، ليس لأن الأطراف تطالب بما ليس لها، بل لأن دمشق لا تزال، رغم التغيير، تنظر إلى الفيدرالية كخطر وجودي، وليس كفرصة تاريخية لإعادة صوغ العقد الاجتماعي، في شمال سوريا وغربها وجنوبها، ترتفع الأصوات مطالبة بصيغ حكم محلية، بعضها كردي مدعوم أمريكيًا، وبعضها درزي يتكئ على بيئة محلية وأمنية حساسة، وبينما تحاول القيادة المركزية إثبات جدارتها بالحكم من دمشق، تبدو الجغرافيا السياسية لسوريا الجديدة تميل إلى لا مركزية الأمر الواقع، فهل يملك الشرع شجاعة تفكيك إرث الدولة الأمنية لمصلحة مشروع وطني جديد أم أن التغيير سيبقى سطحيًا يخدم استمرارية السلطة لا شرعيتها.

لحظة مفصلية أم مسكن سياسي


الاجتماع الثلاثي في باريس، الذي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بنظيره الفرنسي، وبرعاية المبعوث الأمريكي توم باراك، لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي.


البيان الصادر عنه، رغم لغته الفضفاضة، أرسل إشارات مهمة عن تحول في الموقف الدولي تجاه "فيدرالية الأمر الواقع" في سوريا، خصوصًا مع دعوته إلى مشاورات مباشرة مع "قسد"، ما فُهم ضمنيًا كاعتراف بوجود سياسي للمكون الكردي، تتجاوز وظيفته العسكرية في محاربة داعش.


لكن غياب أي إشارة إلى الجماعات المسلحة في الجنوب أو الانتهاكات الإسرائيلية، فتح الباب أمام تساؤلات محلية عن مدى توازن هذا الموقف الدولي.


المحلل السياسي حسام طالب اعتبر أن المشهد يميل نحو "خفض التصعيد لا حله"، محذرًا من أي "تنازلات شكلية تفتح الباب أمام التفكيك بدل اللامركزية".

رفض الفيدرالية.. وتحذيرات من دعم خارجي


في دمشق، الموقف الرسمي لا يزال واضحًا: لا للفيدرالية، لا لتقسيم السلطة، لا لحكم ذاتي خارج مظلة المركز.


حسام طالب، أكد في تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن هناك قلقًا من "تحركات مدعومة إسرائيليًا في السويداء"، واتهم تل أبيب بإرسال عناصر درزية عبر الحدود بلباس مدني لدعم التمرد المحلي.

تصريحات طالب كشفت عن مقاربة أمنية للملف، حيث رُبطت المطالب المحلية بالخارج، ووصفت بأنها محاولة "تحت غطاء ديمقراطي لفرض أمر واقع انفصالي"، رافضًا أي صيغة حوار "تمثيلية" شبيهة بتجارب حقبة الأسد.

القراءة الأمريكية: الفيدرالية ضمانة لا تهديد


الولايات المتحدة، عبر تصريحات توم حرب، مدير "التحالف الأمريكي الشرق أوسطي للديمقراطية"، لا تتبنى موقفًا موحدًا تجاه الملف السوري، لكن الكونغرس يدفع باتجاه دعم الأقليات وتثبيت مبدأ التعددية. 


حرب أشار بوضوح إلى أن "النظام المركزي فشل"، وأن الشرع لا يملك جيشًا حقيقيًا أو مرجعية دستورية موحدة، بل يعتمد على تحالفات قبلية ومناطقية متفرقة.


وبينما لم تتبنَّ واشنطن رسميًا خيار الفيدرالية، فإن حرب أكد أن "الليبرالية الفيدرالية" هي الضمانة الوحيدة التي يمكن أن تحفظ وحدة سوريا دون قسر أو هيمنة.

تحولات جذرية


من جانبه، يقول د. طارق الشامي المحلل السياسي السوري: إن ملف الفيدرالية في سوريا لا يمكن فصله عن التحولات الجذرية التي أصابت بنية الدولة السورية بعد الحرب، معتبرًا أن النقاش الحالي ليس حول تقاسم سلطة بين "أقليات وأكثريات"، بل حول إعادة إنتاج دولة تنهار تقنيًا ومؤسساتيًا.


ويقول الشامي - في حديثه لـ"العرب مباشر"- : لا يمكن للسلطة الانتقالية أن تدير المشهد بعقلية ما قبل 2011، مضيفًا، المعادلة تغيّرت جذريًا: القوى المحلية لم تعد أدوات بيد المركز، بل أصبحت لاعبًا سياسيًا يمتلك أوراقًا وشرعية نسبية".


ويضيف نجم أن الرئيس أحمد الشرع أمام فرصة تاريخية لا تُعوض لإعادة تشكيل الدولة على أساس شراكة حقيقية، موضحًا إن رفض الفيدرالية من منطلقات سيادية قد يبدو أمرًا مفهومًا مبدئيًا، لكنه في الواقع يعكس توجسًا من خسارة النفوذ المركزي، وليس حرصًا على وحدة الدولة كما يُسوَّق، على حد قوله.


ويحذر الشامي من أن استمرار المركزية دون إصلاح عميق سيُبقي سوريا في حالة احتقان دائمة، ويمنح الخارج مبررًا للتدخل، مؤكدًا أن "كل النماذج الناجحة في دول ما بعد الصراع اختارت شكلًا من أشكال الحكم اللامركزي".


ويختم بالقول: "الخيار ليس بين الوحدة والتفكك، بل بين دولة متعددة عادلة أو دولة شكلية تترنح من أزمة إلى أخرى".