إيران تستأنف مفاوضاتها النووية في إسطنبول وسط تهديدات بفرض عقوبات أممية
إيران تستأنف مفاوضاتها النووية في إسطنبول وسط تهديدات بفرض عقوبات أممية

بدأت إيران اليوم الجمعة محادثات جديدة مع ثلاث قوى أوروبية، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، في مدينة إسطنبول التركية، بهدف إعادة فتح ملف المفاوضات بشأن الحد من برنامجها النووي أو إنهائه.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن هذه المحادثات تأتي وسط تصاعد التوترات بعد توقف المحادثات الأولية مع الولايات المتحدة الشهر الماضي، إثر هجوم إسرائيلي استمر 12 يومًا وألحق أضرارًا بمنشآت إيران النووية والبنية التحتية الأخرى.
خلفية المحادثات وأهميتها
تسعى الدول الأوروبية الثلاث إلى إقناع إيران باستئناف الحوار مع الولايات المتحدة حول برنامجها النووي، مع التركيز على اتخاذ خطوة ملموسة لاستعادة الثقة الدولية في تأكيدات طهران بأن برنامجها النووي سلمي بالكامل.
وتُشير التقارير إلى أن إيران تمتلك حاليًا كمية من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية تكفي لصنع ما يصل إلى عشر قنابل نووية، مما يثير قلق المجتمع الدولي.
توقفت المحادثات الأولية بين إيران والولايات المتحدة بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير، الذي أدى إلى تعليق عمليات التخصيب في المنشآت النووية الإيرانية.
وفي حال استمرار رفض إيران للتعاون، هددت الدول الأوروبية بتفعيل آلية "العودة السريعة" لفرض عقوبات أممية ومتعددة الأطراف، التي تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015، بسبب انتهاكات إيران لشروط الاتفاق.
الاتفاق النووي لعام 2015
وأوضحت الصحيفة أن لاتفاق النووي، المعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، تم التوصل إليه في عام 2015 بين إيران ومجموعة الدول الست (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، والصين). بموجب الاتفاق، وافقت إيران على الحد من برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
ومع ذلك، ينتهي مفعول هذا الاتفاق منتصف أكتوبر المقبل، مما يضع ضغطًا على الأطراف المعنية للتوصل إلى حل قبل هذا الموعد.
تظهر الدول الأوروبية استعدادًا لتمديد الموعد النهائي لتفعيل العقوبات، نظرًا لأن إعادة فرضها ستفقدها قيمتها كأداة ضغط في المفاوضات المستقبلية.
ومع ذلك، فإن تمديد الاتفاق يتطلب موافقة جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق في عام 2018 بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب.
التحديات والعقبات
تتمثل النقطة الرئيسة للخلاف في إصرار الولايات المتحدة على أن تتخلى إيران تمامًا عن تخصيب اليورانيوم، وهو ما ترفضه طهران بشدة، معتبرة أن لها الحق القانوني في التخصيب بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
وعلى الرغم من الأضرار التي لحقت ببرنامجها النووي، إلا أن إيران لا تزال تمتلك معرفة متقدمة في مجال التخصيب لا يمكن القضاء عليها بالهجمات العسكرية.
وفي تصريح له هذا الأسبوع، قال وزير الخارجية الإيراني عباس أراغتشي إن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية كانت "جسيمة وشديدة"، مؤكدًا توقف عمليات التخصيب مؤقتًا.
ومع ذلك، جدد التأكيد على أن إيران لن تتخلى عن حقها في تخصيب اليورانيوم، مشيرًا إلى استعداد بلاده لقبول قيود صارمة على التخصيب مشابهة لتلك المنصوص عليها في اتفاق 2015، شريطة ضمانات بعدم تعرضها لهجمات جديدة.
ومن جانبه، أكد نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي، الذي يشارك في محادثات إسطنبول، في إحاطة إعلامية بالأمم المتحدة يوم الأربعاء، أن إيران منفتحة على مزيد من المفاوضات مع الأوروبيين والأمريكيين، لكنها تشترط ضمانات بعدم التعرض لهجمات عسكرية مستقبلية.
مواقف الأطراف الأخرى
تتباين مواقف الأطراف المعنية بشأن البرنامج النووي الإيراني، ففي حين يصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإسرائيل على ضرورة تخلي إيران عن أي نشاط لتخصيب اليورانيوم، تظهر الدول الأوروبية مرونة أكبر، حيث تقبل بفرض قيود صارمة على التخصيب مع تعزيز الرقابة الدولية عليه.
ومع ذلك، هناك مخاوف من أن ترامب قد يفقد الاهتمام بالتوصل إلى اتفاق، معتقدًا أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة قد حسمت المشكلة مؤقتًا.
ومن ناحية أخرى، عقدت إيران اجتماعات هذا الأسبوع مع حلفائها روسيا والصين، لبحث سبل منع أو التخفيف من تبعات أي عقوبات محتملة. وتظل روسيا والصين، إلى جانب الدول الأوروبية، أعضاء في اتفاق 2015، لكنهما لا تستطيعان منع تفعيل العقوبات إذا قررت أوروبا المضي قدمًا في هذا الخيار.
سيناريوهات المحادثات
لا يُتوقع أن تسفر محادثات إسطنبول، التي تجري على مستوى دبلوماسي أدنى ولا تشمل وزراء الخارجية، عن تقدم كبير، ومع ذلك، تلوح في الأفق مواعيد نهائية حاسمة، حيث حذرت الدول الأوروبية من أنها ستبدأ في اتخاذ خطوات لإعادة فرض العقوبات بحلول نهاية أغسطس إذا لم تُظهر إيران جهدًا جادًا للتوصل إلى اتفاق جديد.
اقترحت إيلي جيرانمايه، خبيرة الشؤون الإيرانية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، تمديدًا لمدة عام واحد للاتفاق النووي كحل مؤقت، لمنح الوقت الكافي لإجراء محادث ات مع واشنطن وللسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتقييم حالة البرنامج النووي الإيراني ومخزون اليورانيوم المخصب.
تأثير العقوبات على إيران
تستمر العقوبات الاقتصادية في التأثير البالغ على الاقتصاد الإيراني، حيث شهدت الأسواق المحلية، مثل سوق تجريش في طهران، تدهورًا في الأوضاع المعيشية نتيجة الضغوط الاقتصادية.
وفي حال إعادة فرض العقوبات الأممية، قد تواجه إيران تداعيات أكثر حدة، خصوصًا إذا قررت الخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، كما هددت بذلك، مما سيؤدي إلى توقف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.