السويداء بلا جيش.. ماذا وراء الانسحاب السوري والخسائر الميدانية؟
السويداء بلا جيش.. ماذا وراء الانسحاب السوري والخسائر الميدانية؟

في تحول لافت، انسحبت قوات الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي من مواقعها في محافظة السويداء جنوبي البلاد، صباح الخميس، بموجب اتفاق تم التوصل إليه بين الحكومة السورية ومشايخ عقل الطائفة الدرزية.
الانسحاب جاء بعد أيام من الاشتباكات العنيفة، وفي خضم تصعيد سياسي وعسكري داخلي وخارجي، كشف هشاشة الموقف في واحدة من أكثر المحافظات حساسية على الخارطة السورية.
وقالت مصادر محلية وشهود عيان إن قوات الجيش بدأت الانسحاب تدريجيًا ليل الأربعاء، قبل أن يكتمل فجر الخميس، وفي المقابل، بدأت فصائل محلية درزية بالانتشار في المناطق التي تم إخلاؤها، ما يعني تحولًا أمنيًا جذريًا غير مسبوق في تاريخ سيطرة الدولة على السويداء.
اتفاق هش.. ومخاوف من فراغ أمني
الاتفاق الذي أعلنته وزارة الداخلية السورية ومشايخ الطائفة الدرزية ينص على وقف فوري للعمليات العسكرية، وتشكيل لجنة مشتركة للإشراف على التنفيذ، مع انتشار قوى الأمن الداخلي بمشاركة شرطة محلية من أبناء المحافظة.
ورغم إشادة بعض الأطراف بالاتفاق كخطوة لتجنب التصعيد، يرى مراقبون أن انسحاب الجيش يفتح الباب على فراغ أمني خطير في محافظة تعاني من انتشار السلاح والانقسامات المجتمعية، بالإضافة إلى تهديدات خارجية متصاعدة، أبرزها الغارات الإسرائيلية الأخيرة.
إعلان "السويداء منطقة منكوبة"
في بيان صارخ اللهجة، وصف الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز المرجعيات الدينية للدروز، السويداء بأنها "بلد منكوب"، داعيًا إلى فتح معبر حدودي مع الأردن لأسباب إنسانية، وإلى فتح طريق آمن نحو مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، ما يعكس حجم المأساة التي تعيشها المدينة.
كما طالب الهجري بتوفير ممرات آمنة وتسهيل التواصل مع الخارج، في ظل ما وصفه بـ"عزلة قسرية" تعاني منها السويداء بعد تصاعد العنف والمواجهة الأخيرة بين الفصائل والجيش.
رسالة سياسية من الرئاسة السورية
الرئيس السوري أحمد الشرع دافع عن قرار الانسحاب، معتبرًا أنه جاء تفاديًا لحرب مفتوحة قد تتورط فيها إسرائيل، وتضر بالوحدة الوطنية، وأكد أن تسليم الأمن للفصائل المحلية خيار صعب لكنه ضروري لحماية الدروز وتهدئة الوضع، مضيفًا أن دمشق "تعوّل على وعي المشايخ الوطني".
لكن بعض المراقبين اعتبروا هذه الخطوة تراجعًا فعليًا عن سيادة الدولة، وإشارة إلى أن الحكومة باتت تواجه صعوبة في فرض سلطتها على المحافظات التي لطالما التزمت الحياد في النزاع السوري، مثل السويداء.
احتقان داخلي وتهديدات خارجية
واندلعت الاشتباكات في السويداء الأحد الماضي بين مسلحين دروز وآخرين من البدو، وسرعان ما تطورت إلى مواجهات أوسع دفعت الجيش السوري للتدخل، إلا أن الوضع خرج عن السيطرة، خصوصًا مع استمرار الانقسامات داخل الطائفة الدرزية، وعدم وجود مرجعية موحدة تمثل الجميع.
وفيما كانت القوات الحكومية تحاول فض الاشتباكات، دخلت إسرائيل على خط المواجهة بشن غارات جوية استهدفت مواقع جنوب دمشق والجنوب السوري، مما زاد من التوتر الإقليمي حول السويداء.
وتبدو السويداء وكأنها تُدار بشكل ذاتي، مع تسليم الأمن لفصائل محلية ومشايخ في ظل غياب الدولة المركزية، وبينما يعتبر البعض هذا الانسحاب فرصة لإرساء تهدئة محلية، يرى آخرون أن ما حدث يُمثل تراجعًا غير مسبوق في نفوذ دمشق، وسط مخاوف من انفجار أمني أو تدخل خارجي أكبر.
ويقول الباحث السياسي السوري، محمود الأفندي: إن انسحاب الجيش السوري من محافظة السويداء "يمثل نقطة تحول مقلقة في مسار الأزمة السورية"، معتبرًا أن ما جرى ليس مجرد خطوة أمنية مؤقتة، بل تعبير مباشر عن تراجع فعلي لقدرة الدولة على فرض سلطتها في مناطق كانت تعد آمنة أو محايدة لسنوات.
ويضيف الأفندي - في تصريحات خاصة لـ"العرب مباشر" - نحن أمام مشهد يُظهر خللاً بنيوياً في العلاقة بين السلطة المركزية وبعض المكونات المجتمعية، فالاتفاق مع مشايخ العقل لم يأت من موقع قوة، بل من واقع اضطرار سياسي – أمني فرضته المواجهات الأخيرة، التي خرجت عن السيطرة بسرعة، محذرًا من مخاطر الفراغ الأمني الذي سينجم عن هذا الانسحاب، مشيرًا إلى أن فصائل محلية مسلحة "لا تمتلك الانضباط العسكري الكافي لإدارة محافظة بحجم وتعقيد السويداء".