ليبيا تحاصر الوافدين.. حملة أمنية تكشف فوضى العمالة غير النظامية
ليبيا تحاصر الوافدين.. حملة أمنية تكشف فوضى العمالة غير النظامية

في مشهد يعكس تصاعد الضغوط الأمنية والاجتماعية والاقتصادية في ليبيا، أطلقت السلطات حملة واسعة تستهدف ما تصفه بـ"العمالة الأجنبية غير القانونية"، لتعيد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا في البلاد.
خلال 24 ساعة فقط، تم اعتقال أكثر من 1500 عامل أجنبي في طرابلس وضواحيها، ضمن تحرك تقوده وزارتا العمل والداخلية بالتعاون مع جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية. هذا التحرك، الذي يقول المسؤولون إنه يستهدف "تنظيم سوق العمل وضبط الأمن"، يثير في المقابل عاصفة من الانتقادات الحقوقية حول طريقة التنفيذ وغياب المعالجات الهيكلية لأسباب الفوضى، فهل هي خطوة في اتجاه تقنين سوق العمل الليبي، أم محاولة أخرى لتجميل صورة الدولة أمام الداخل والخارج في ظل عجزها عن محاسبة المتنفذين المحليين، وهل يتوقف النزيف الاقتصادي والاجتماعي بمجرد اعتقال العمال، أم أن جذور الأزمة أعمق من أن تُحلّ بالإجراءات الأمنية.
*تداخل أمني اجتماعي*
في خطوة وُصفت بالمفاجئة، أطلقت السلطات الليبية، بقيادة وزارة العمل وجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، حملة أمنية شاملة استهدفت العمالة الأجنبية غير القانونية.
الحملة، التي انطلقت من العاصمة طرابلس وانتشرت في محيطها، أسفرت عن اعتقال ما يزيد على 1500 عامل لا يحملون تصاريح إقامة أو تراخيص عمل.
وتأتي هذه الخطوة بعد احتجاجات شعبية في عدد من الأحياء التي تشهد كثافة عالية للعمالة الوافدة، عبّرت عن تذمرها من "فوضى السكن العشوائي وتزايد الأنشطة المشبوهة".
لكن خلف هذه الحملة، تتكشّف أزمة أكثر عمقًا، تتعلق بتداخل الأمني بالاجتماعي، والاقتصادي بالسياسي، فمن جهة، تصرّ الحكومة الليبية على أنها تسعى لإعادة تنظيم سوق العمل، خاصة في ظل تقديرات رسمية تشير إلى وجود نحو 2.5 مليون أجنبي داخل البلاد، غالبيتهم يقيمون بشكل غير شرعي.
ومن جهة أخرى، يرى ناشطون حقوقيون، أن الحملة ليست سوى محاولة لامتصاص الغضب الشعبي وتحميل "الحلقة الأضعف" - أي العمالة الأجنبية - مسؤولية التدهور الحاصل، دون الاقتراب من المتسببين الحقيقيين في الفوضى.
*بؤر سكنية عشوائية*
وزير العمل الليبي، علي العابد، أكد أن الحملة كشفت عن "بؤر سكنية عشوائية" يقطنها عمّال من جنسيات مختلفة، لا يمتلكون أي أوراق رسمية أو حتى تحاليل طبية.
واعتبر الوزير، أن هذه التحركات تأتي "ضمن خطة شاملة لضبط النظام وتنظيم الأحياء"، في إشارة إلى التداخل بين ملف العمالة وملف الأمن العام.
إلا أن تصريحات الوزير لم تُقنع بعض المتابعين الذين شككوا في جدوى هذه الإجراءات بمعزل عن وضع آليات رقابة ومحاسبة على أصحاب العقارات الليبيين الذين يُؤجرون هذه الأماكن العشوائية مقابل أرباح ضخمة.
طارق لملوم، وهو ناشط حقوقي بارز، اعتبر في تصريحات لـ"العرب مباشر"، أن "السلطات تعوّدت أن تبدأ من الأسفل"، مضيفًا أن المشكلة ليست في وجود العمالة فحسب، بل في عدم وجود نظام واضح لتنظيم دخولهم وإقامتهم.
ولفت، أن "التضييق على الأجانب لن يحلّ شيئًا ما دامت الدولة تغضّ الطرف عن شبكات سكن غير قانوني واستغلال مالي من قبل مواطنين ليبيين يستفيدون من غياب القانون".
*حلولًا جذرية*
من جانبه، صرّح وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، عماد الطرابلسي، أن 80% من العمال الأجانب في ليبيا دخلوا البلاد بطرق غير شرعية، ولا يسجلون في سجلات الإقامة أو الضرائب أو خدمات الماء والكهرباء، ما يزيد من العبء على الدولة، ويؤكد أن هذا النزيف يتطلب ردعًا وحلولًا جذرية.
اقتصاديًا، يبدو أن تداعيات الظاهرة تضع ضغطًا متزايدًا على الاقتصاد الليبي، الذي يئن أساسًا تحت وطأة الانقسام السياسي وضعف مؤسسات الدولة.
فبحسب تقرير صادر عن مصرف ليبيا المركزي في أبريل 2025، تُكلف العمالة غير القانونية والهجرة غير الشرعية الدولة نحو 7 مليارات دولار سنويًا، نتيجة لزيادة الطلب على العملات الأجنبية وتضخم السوق السوداء.
لكن مراقبون أكدوا أن الخشية الأكبر من الحملة الأمنية لا تتعلق بالتكلفة الاقتصادية، بل بالتداعيات الإنسانية، فقد عبّرت منظمات حقوقية عن قلقها من إمكانية تعرض المعتقلين لانتهاكات جسيمة أثناء توقيفهم، خاصة في ظل ضعف الرقابة على مراكز الإيواء التي يديرها جهاز مكافحة الهجرة.
وطالبت هذه المنظمات بضرورة احترام المعايير الدولية في التعامل مع العمال الأجانب، وتوفير ضمانات قانونية تحميهم من الاعتداءات أو الترحيل القسري.
في هذا السياق، يرى مراقبون، أن الحل الحقيقي لا يكمن في الاعتقالات العشوائية، بل في بناء استراتيجية شاملة لإصلاح سوق العمل، تشمل تشريعات واضحة، اتفاقيات مع دول المنشأ، وتنظيم عمليات التأجير السكني. فالمعركة الحقيقية ليست ضد العامل البسيط، بل ضد الفوضى البنيوية التي تمنح البعض أرباحًا على حساب الدولة والمجتمع.