كيف تفادت إيران وأمريكا حربًا شاملة في آخر لحظة؟
كيف تفادت إيران وأمريكا حربًا شاملة في آخر لحظة؟

دخلت الهدنة الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية حيز التنفيذ بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الحرب المشتعلة في الشرق الأوسط توقفت.
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، كواليس توقف التصعيد العسكري في الشرق الأوسط بعد إطلاق إيران عددًا من الصواريخ باتجاه قاعدة العديد القطرية.
الهجمات الأخيرة
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه قبل أن تطلق إيران صاروخًا واحدًا، كانت تبحث بالفعل عن مخرج من الأزمة المشتعلة.
ففي صباح أمس الإثنين، عقد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني اجتماعًا طارئًا لمناقشة الرد على الهجمات الجوية الأمريكية التي استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية رئيسية خلال عطلة نهاية الأسبوع، وذلك بعد سلسلة ضربات إسرائيلية طيلة الأسبوع الماضي ألحقت ضررًا بالغًا بالبنية التحتية العسكرية الإيرانية وقياداتها.
وأضافت: أن القيادة الإيرانية، في ظل هذه الضربات، وجدت نفسها أمام معضلة ضرورة الرد لحفظ ماء الوجه، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة مع واشنطن.
وتابعت: أنه من داخل مخبأ محصن، أصدر المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أمرًا بالرد العسكري، وفق ما أكده أربعة مسؤولين إيرانيين مطلعين على التخطيط الحربي، لكنه في الوقت نفسه أصدر تعليمات صارمة بأن يكون الرد محدودًا ومحسوبًا لتفادي اندلاع حرب واسعة النطاق مع الولايات المتحدة.
وفق ما أفاد به عضوان في الحرس الثوري الإيراني، وقع الاختيار على قاعدة العديد الجوية في قطر كهدف للهجوم، لسببين رئيسيين: أولًا، لكونها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، ما جعل الإيرانيين يعتقدون أنها كانت منطلقًا لتنسيق الهجوم الجوي الأمريكي على منشآتهم النووية، وثانيًا، لأنها تقع في قطر، الحليف القريب من إيران، ما يعني أن الأضرار قد تبقى ضمن حدود يمكن التحكم فيها.
ولتحقيق هذا الهدف المزدوج، عمدت إيران إلى إرسال إشارات مسبقة عبر وسطاء، تنذر بقرب تنفيذ الضربة.
أغلقت قطر مجالها الجوي، ووصلت التحذيرات إلى الأمريكيين، ما أتاح لهم اتخاذ الاحتياطات اللازمة.
ورغم أن الإعلام الإيراني صوّر الهجوم كضربة قوية وثأرية في وجه الإمبريالية الأمريكية، إلا أن الهدف الحقيقي، بحسب المسؤولين الإيرانيين، كان إرسال رسالة مدروسة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفادها أن طهران ردت على الضربات لكنها لا ترغب في التصعيد.
إيران تتحدث عن النصر
في كلمة متلفزة، أعلن متحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، أن الهجوم نُفّذ بواسطة الحرس الثوري الإيراني، قائلًا: إن على الأعداء أن يدركوا أن زمن "الضرب والهروب" قد ولى.
بث التلفزيون الإيراني الرسمي مشاهد لصواريخ باليستية تنير سماء قطر، مصحوبة بأغانٍ وطنية وتعليقات تحتفي بـ"النصر" على الإمبراطوريات العسكرية الكبرى. لكن خلف الكواليس، كانت القيادة الإيرانية تأمل في أن يسهم هذا الهجوم المحدود والتحذير المسبق في إقناع الرئيس ترامب بعدم الرد، وبالتالي منح طهران مخرجًا لوقف المواجهة.
كما كانت هناك آمال بأن تمارس واشنطن ضغوطًا على إسرائيل لوقف ضرباتها الجوية المتواصلة ضد إيران، والتي بدأت حتى قبل الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية واستمرت حتى مساء الإثنين، بحسب شهادات من سكان العاصمة طهران.
وقال أحد المسؤولين الإيرانيين: إن خطة الضربة شُكّلت بحيث لا تؤدي إلى مقتل أي جندي أمريكي، لأن سقوط قتلى كان سيجبر واشنطن على الرد العسكري، ما قد يدخل الطرفين في دوامة لا نهاية لها من الهجمات والردود.
رد أمريكي محسوب
وبالفعل، بدا أن الخطة الإيرانية قد نجحت. ففي تصريحات لاحقة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن 13 من أصل 14 صاروخًا إيرانيًا أُطلقت على قاعدة العديد تم اعتراضها، ولم يسفر الهجوم عن أي قتلى أو جرحى أمريكيين، فيما كانت الأضرار المادية طفيفة.
وفي بيان لافت، شكر ترامب إيران على إرسال إنذار مبكر، قائلًا إنه بفضله لم تُزهق أرواح ولم يُصب أحد، مضيفًا أن الإيرانيين "أفرغوا ما في جعبتهم من كراهية"، معربًا عن أمله في عدم حدوث المزيد.
فيما بعد، أعلن ترامب أن وقفًا لإطلاق النار بات وشيكًا بين إيران وإسرائيل. ورأى محللون أن هذا التطور يمثل لحظة مواتية للتهدئة، إذ أصبح لكل طرف روايته الخاصة عن النصر.
فقال علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: إن الولايات المتحدة يمكنها الادعاء بأنها ألحقت ضررًا ببرنامج إيران النووي، فيما تقول إسرائيل: إنها أضعفت خصمها الإقليمي، أما إيران فبإمكانها الادعاء بأنها صمدت في وجه قوى عسكرية أقوى منها وردت على الهجمات.
تآكل التأييد الشعبي
خلال أسبوع واحد فقط، اجتاحت الحرب الخطوط الحمراء بوتيرة متسارعة، لكن الرغبة الإيرانية في الاستمرار بدت متراجعة. و
رغم أن غالبية الإيرانيين توحدوا خلف قيادتهم في رفض الحرب، فإن عشرات الآلاف نزحوا من منازلهم في طهران ومدن أخرى، فيما أُغلقت المتاجر والمكاتب الحكومية أو أصبحت تعمل لساعات محدودة، وبدأت التداعيات الاقتصادية بالظهور.
قال صادق نروزي، رئيس حزب التنمية الوطنية في طهران، خلال لقاء افتراضي: إن إيران لا تملك الإمكانيات للاستمرار في هذه الحرب، مشيرًا إلى مشكلات اقتصادية حادة وتراجع في التأييد الشعبي، إضافة إلى الفجوة الكبيرة في القدرات العسكرية والتكنولوجية مقارنة بالولايات المتحدة وإسرائيل.
حتى داخل أوساط الحرس الثوري، بدأت بعض الأصوات تطالب بالتركيز على المواجهة مع إسرائيل فقط، وتفادي التصعيد مع واشنطن.
وكتب كريم جعفري، محلل سياسي مقرب من الحرس، على حسابه على وسائل التواصل، "إن آخر ما تحتاجه إيران الآن هو حرب متعددة الجبهات دون حساب عواقبها".