الرد الإيجابي لحماس يربك تل أبيب: إسرائيل تترقّب وقلق من فخ التنازلات

الرد الإيجابي لحماس يربك تل أبيب: إسرائيل تترقّب وقلق من فخ التنازلات

الرد الإيجابي لحماس يربك تل أبيب: إسرائيل تترقّب وقلق من فخ التنازلات
حركة حماس

بينما كانت الأبصار مشدودة إلى غزة، جاء الرد المنتظر من حركة حماس على المقترح الأخير لوقف إطلاق النار، ففتح الباب مجددًا على مرحلة جديدة من الترقّب المشوب بالحذر، "إيجابي" هكذا وصفت حماس ردّها، ولكن في تل أبيب لا يُقرأ هذا الوصف بذات البساطة، فإسرائيل التي تسلّمت الموقف عبر قنوات الوساطة، دخلت في حالة تقييم دقيق، لا تخلو من الارتياب، في ظل تشكيك داخلي من إمكانية أن تكون هذه "الإيجابية" مغطاة بشروط يصعب قبولها، لا سيما في ملف انسحاب القوات من غزة وخريطة تبادل الأسرى والرهائن.

 وبين ضغوط عائلات الإسرائيليين المحتجزين، والخوف من اتفاقات جزئية تبقي على جرح مفتوح، تتأرجح الحكومة الإسرائيلية بين ضرورة استثمار الفرصة، والخشية من تقديم تنازلات قد تُفسَّر كضعف سياسي أو عسكري، وبين هذا وذاك، ما تزال غزة تدفع ثمن الانتظار، بأرواح مدنييها وأطلال أحيائها.

*دراسة البنود*


في تطور لافت ضمن مسار المفاوضات حول غزة، تسلّمت إسرائيل مساء الجمعة رد حركة حماس على المقترح الذي قدّمه الوسطاء الدوليون والإقليميون لوقف إطلاق النار.

 وبحسب ما نقلته القناتان 12 و13 الإسرائيليتان، فإن الحكومة لم تصدر بعد موقفًا رسميًا، لكنها باشرت دراسة بنود الرد الذي اعتُبر "إيجابيًا" من جانب الحركة، في خطوة أربكت المشهد السياسي الإسرائيلي.

ووفق مصدر مطّلع تحدث إلى القناة 12، فإن "الرد نُقل عبر الوسطاء، وتفاصيله تخضع الآن لتحليل معمّق من المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل"، في وقت تُبدي فيه القيادة العسكرية استعدادها لفتح قنوات التفاوض مجددًا، وإن بشكل غير علني، بحسب تسريبات القناة 13.

*بين الإيجابية والحذر*


يصف مراقبون الرد "الإيجابي" لحماس بأنه يحمل مرونة تكتيكية أكثر منه تحوّلاً جوهريًا، فالحركة، التي أكدت في بيانها أنها أجرت مشاورات داخلية ومع الفصائل قبل إرسال الرد، عبّرت عن استعدادها "الجدي" للتفاوض الفوري حول آلية التنفيذ، لكن من دون التخلي عن شرطها الثابت: الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.

هذا المطلب يُعدّ وفق التقديرات الأمنية الإسرائيلية واحدًا من أكبر العقبات أمام أي اتفاق، لا سيما أن المؤسسة العسكرية في تل أبيب تُصرّ على الاحتفاظ بمحور موراغ الحيوي، وجميع المناطق الواقعة جنوبه، باعتبارها مناطق عازلة تحمي العمق الإسرائيلي من خطر العودة المحتملة للفصائل الفلسطينية المسلحة.

*قلق داخلي في إسرائيل*


بموازاة ذلك، يزداد التوتر داخل المجتمع الإسرائيلي، وخصوصًا بين عائلات الرهائن، حيث عبّرت العديد من هذه العائلات عن تخوفها من أن تُفضي أي تسوية جزئية إلى الإفراج عن بعض المحتجزين دون الآخرين، ما من شأنه أن يُفاقم الأزمة النفسية والاجتماعية التي تعيشها تلك العائلات منذ شهور.

وقد عبّر ناشطون في مجموعة "منتدى العائلات" عن خشيتهم من أن يتم التعامل مع ملف الرهائن وفق حسابات سياسية داخل الحكومة، مطالبين بإشراكهم في أي مسار تفاوضي باعتبارهم أصحاب المصلحة المباشرة.

*إسرائيل في مأزق حسابات الداخل والخارج*
داخليًا، تواجه الحكومة الإسرائيلية معضلة كبيرة، كيف توازن بين متطلبات الأمن القومي، وضغوط الرأي العام، وتوقعات الحلفاء الدوليين، فالرغبة الأميركية والأوروبية في إنهاء الحرب تتزايد، خاصة في ظل التدهور الإنساني في القطاع وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين. 

وفي المقابل، ما تزال فصائل المعارضة في إسرائيل تحذر من تقديم "تنازلات مجانية" لحماس، ومن مغبّة استغلال الحركة لأي هدنة من أجل إعادة بناء قدراتها العسكرية.

وفي هذا الإطار، يُتوقع أن ترسل إسرائيل خلال أيام وفدًا رسميًا إلى الوسطاء، في محاولة لاستكشاف نوايا حماس بشكل أعمق، وربما الضغط باتجاه تعديلات على بنود الاتفاق المقترح، خاصة فيما يتعلق بآليات الانسحاب وجدولة الإفراج عن الأسرى.

*غزة.. الثمن المستمر*


في ظل هذا التخبّط، تبقى غزة الحلقة الأضعف. فالميدان ما يزال يشهد قصفًا متقطعًا، وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين، فيما تحذّر منظمات أممية من انهيار تام للبنية الصحية والإنسانية في بعض مناطق القطاع.

وبينما يتجادل الطرفان حول خرائط ومواعيد، تحترق أحياء بكاملها تحت القصف، ويصطف عشرات الآلاف على أبواب الملاجئ ومراكز الإغاثة.

الرد "الإيجابي" الذي أرسلته حماس لم يوقف بعد آلة الحرب، لكنه حرّك مياهًا راكدة في المسار التفاوضي، ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تلتقط إسرائيل هذه الفرصة لتحقيق تقدم حقيقي، أم أنها ستغرق مجددًا في حسابات داخلية قد تؤجل السلام وتطيل زمن النار