جهود مصر لوقف النار تصطدم بجدار عربات جدعون: إسرائيل ترفض كبح التصعيد
جهود مصر لوقف النار تصطدم بجدار عربات جدعون: إسرائيل ترفض كبح التصعيد

بينما يتصاعد الدخان من ركام غزة وتُطوى أوراق المبادرات تلو الأخرى، تتحرك القاهرة بخطى دبلوماسية حثيثة لإعادة وضع ملف الحرب في غزة على طاولة التسويات السياسية، الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف لم يكن مجرد إجراء روتيني في ظل أزمة مستمرة، بل حمل في طياته إشارات واضحة على أن مصر ما زالت تعتبر نفسها حجر الزاوية في أي معادلة لوقف إطلاق النار.
في الوقت نفسه، يتجدد التحرك الأميركي عبر بوابة البيت الأبيض، حيث يُتوقع أن يلتقي مسؤولون إسرائيليون كبار بمبعوثي الرئيس دونالد ترامب وسط أجواء ضاغطة داخليًا وخارجيًا، لكنّ الأصوات الصادرة من تل أبيب، وخصوصًا من داخل المؤسسة العسكرية، تكشف عن صلابة موقف إسرائيلي لا يرى في التهدئة فرصة، بل تهديدًا، وبين النداءات العلنية للرئيس الأميركي وواقع الميدان، تتقاطع الإرادات وتتصادم الرؤى حول مصير غزة، وسيناريو اليوم التالي.
*سلام شامل*
في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في مسار الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عشرين شهرًا، برزت القاهرة من جديد كوسيط يسعى إلى كسر الجمود، وتثبيت وقفٍ لإطلاق النار يفتح الباب أمام ترتيبات سياسية وأمنية أكثر استدامة.
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي شدد في اتصاله مع المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف على ضرورة استئناف وقف إطلاق النار كمدخل لا غنى عنه لمعالجة قضايا أعقد، على رأسها الإفراج عن الرهائن والأسرى.
اللافت، أن المسؤول المصري ربط بشكل مباشر بين وقف النار وبين دعم رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن "سلام شامل في الشرق الأوسط"، وهو تصريح يُظهر محاولة مصرية ذكية لاستثمار توجهات الإدارة الأميركية الحالية لصالح الدفع نحو تهدئة مستدامة.
القاهرة لم تكتفِ بالدعوة إلى وقف النار، بل طرحت على الطاولة مجددًا فكرة المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة، كوسيلة لربط الملف الإنساني بالحل السياسي، مع تأكيد على التنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، وبينما تبدو هذه المبادرة وكأنها تكرار لمبادرات سابقة، فإنها هذه المرة تأتي في سياق أكثر اشتعالًا وتعقيدًا من ذي قبل.
*إنهاء الحرب*
في واشنطن، تتحرك إدارة ترامب على مسار موازٍ، إذ من المرتقب أن يصل مبعوث مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الأميركية لإجراء محادثات تتعلق بوقف إطلاق النار، وسط دعوات واضحة من ترامب عبر منصته "تروث سوشيال" لإبرام اتفاق وإنهاء الحرب واستعادة الرهائن.
هذه الدعوة جاءت بالتوازي مع جهد ثلاثي مشترك تقوده مصر وقطر بدعم أميركي، يهدف إلى إنجاز تسوية مؤقتة تضع حدًا للقتال وتفتح الباب لمعالجة ملف الرهائن.
*قادة الجيش الإسرائيلي يرفضون وقف الحرب*
لكن الصورة من داخل إسرائيل تبدو مختلفة تمامًا، فالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتحديدًا قادة حملة "عربات جدعون"، أبدوا رفضًا صريحًا لفكرة التهدئة، معتبرين أنها تمثل تقويضًا لما حققوه ميدانيًا.
مصادر عسكرية، بحسب القناة 13، أكدت أن الحملة حققت "فجوة" بين المدنيين وحماس، وأن المعركة ليست شبيهة بـ"برلين" كما يحاول البعض تصويرها، بل هي عملية متدرجة لتفكيك بنية حماس.
الضباط الإسرائيليون حذروا من أن وقف العمليات حاليًا سيبدد ما سموه "إنجازات حاسمة"، في إشارة إلى التحولات التي يعتقدون أنهم أحدثوها في الواقع الميداني داخل القطاع، بما في ذلك شق قنوات توزيع غذائي تفصل بين السكان ومقاتلي حماس، وتقديم أكثر من 50 مليون حصة غذائية، كجزء من "معركة عقول وقلوب" تسير بالتوازي مع المواجهة العسكرية.
هذه المفارقة بين المسار السياسي الذي تقوده مصر والولايات المتحدة، وبين الرؤية الأمنية والعسكرية الإسرائيلية التي ترفض التهدئة الآن، تُظهر مدى عمق الفجوة بين اللاعبين الرئيسيين في هذا الملف.
كما تعكس حجم التحدي الذي تواجهه الوساطات، خاصة أن إدارة ترامب – رغم نبرتها المعلنة – لم تُمارس بعد ضغطًا فعليًا يمكن أن يُحدث تحولًا نوعيًا في موقف تل أبيب.
ما يجعل الموقف أكثر تعقيدًا هو أن الصراع في غزة لم يعد محصورًا في حسابات الداخل الفلسطيني أو الإسرائيلي، بل صار ورقة استراتيجية متشابكة إقليميًا ودوليًا، سواء عبر التداعيات الإنسانية أو التوازنات المرتبطة بإيران وسوريا ولبنان.
في هذا السياق، تبدو القاهرة مصممة على مواصلة دورها، مدفوعة بحسابات الأمن القومي المصري، والحرص على منع انفجار واسع قد يُعيد إشعال الجبهة الجنوبية، لكن مع استمرار تصلب الموقف الإسرائيلي، وبقاء التحرك الأميركي في إطار الرسائل الإعلامية حتى الآن، يبقى وقف النار في غزة معلقًا على خيط تفاوضي هش، في انتظار كسر الجمود أو تصاعد العنف.