جمعت الفُرَقاء لمستقبل جديد.. جهود الإمارات باتفاق السودان

جمعت الفُرَقاء لمستقبل جديد.. جهود الإمارات باتفاق السودان
صورة أرشيفية

لم يقتصر اهتمام حكامها على بلادهم فقط، وإنما حرصوا على وحدة واستقرار المنطقة العربية والبلدان المجاورة، فبالتزامن مع الإنجاز الدبلوماسي التاريخي الذي حققته الإمارات للقضية الفلسطينية وانتصارها للشعب المحتل، بذلت جهودًا مضنية للوصول إلى اتفاق السودان بعد أكثر من 6 عقود من الخلافات. 

الأزمة السودانية


على مدى 65 عامًا، تمزقت السودان بين الخلافات والأزمات الضخمة الصعبة والحروب الأهلية، التي سقط ضحيتها أكثر من 10 ملايين بين قتيل وجريح ومشرد، حيث بدأت في 3 مارس 1955، حينما اندلعت الحرب الأهلية في جنوبي السودان والتي استمرت 50 عامًا قتل خلالها أكثر من مليونَيْ شخص.


وفي 26 فبراير 2003، اندلعت حرب "دارفور"، الأكثر بشاعة في تاريخ السودان، حيث راح ضحيتها أكثر من 4 ملايين بين قتيل ونازح، لتبذل الأطراف الدولية جهودًا ضخمًا لإنهائها، ليتم بعد عامين توقيع "اتفاق نيفاشا" بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية بزعامة الراحل "جون قرنق".


وبعد 6 أعوام، تجددت الحرب الأهلية، ولكن هذه المرة في جبال النوبة التي نتج عنها دمار واسع في القرى والأرياف وتعطيل حياة مئات الآلاف، وعلى إثرها انفصل جنوب السودان وكون دولة مستقلة وعاصمتها "جوبا".


ومنذ ذلك الحين، لم تهدأ الأوضاع بين الشمال والجنوب، لتنطلق في 14 أكتوبر 2019، مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلحة بمدينة جوبا، وبأغسطس الماضي، احتضنت العاصمة السعودية الرياض مؤتمر دعم السودان الذي ناقش 9 محاور رئيسية أهمها تمويل متطلبات السلام وإعادة الإعمار، وبنهاية الشهر وقعت الحكومة السودانية اتفاق سلام نهائي بالأحرف الأولى مع مكونات الجبهة الثورية وحركة تحرير السودان جناح مني أركي مناوي، واليوم وقّع رئيس الوزراء السوداني "عبد الله حمدوك" اتفاقًا مع الحركة الشعبية شمالاً نصَّ على إطلاق عملية سلام جديدة بين الحكومة والحركة التي انسحبت في وقت سابق من مفاوضات جوبا.


وبعد التوقيع على اتفاق السلام، من المنتظر أن تشهد البلاد مرحلة جديدة تتمثل في توطيد سلام عادل وشامل في مناطق الصراع، وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، حيث تسعى الاتفاقية إلى إصلاح المؤسسة العسكرية من خلال عمليات دمج قوات الكفاح المسلح الواردة في بند الترتيبات الأمنية، وسيقدم صندوق جديد 750 مليون دولار سنويا على مدار عشر سنوات لمناطق الجنوب والغرب الفقيرة كما يضمن الاتفاق فرصة عودة المشردين.


حضر مراسم توقيع اتفاق السلام في جوبا، رؤساء كل من تشاد وجيبوتي والصومال، بجانب رئيسي وزراء مصر وإثيوبيا، ووزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، والمبعوث الأميركي الخاص لدولتَيْ السودان وجنوب السودان وممثلين لعدد من الدول الغربية.

جهود الشيخ محمد بن زايد


في ظل تلك الأزمة السودانية المتفاقمة، كانت الإمارات بمثابة شريان الحياة للسودانيين بإنقاذ حياتهم ومنازلهم من مصير الضحايا السابقين لهم، امتدادًا للدور الريادي الذي لعبته في عملية التغيير السياسي في البلاد ودعمها الضخم والكامل لخيار الشعب السوداني في التحول الديمقراطي، من خلال التوصل إلى "اتفاق جوبا للسلام" بين الحكومة الانتقالية وعدد من الحركات المسلحة.


وأسهم الشيخ محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان؛ ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بجهود مضنية في الأزمة السودانية، حيث ساعد في جمع الحركات المسلحة المختلفة إلى طاولة المفاوضات وتقديم الدعم بها، ما أسفر عن توقيع هذا الاتفاق التاريخي، بجانب متابعة مسار المفاوضات عن كثب منذ بدايته.  


وتعتبر الإمارات من أوائل الدول التي قدمت دعمًا ماليًا وسياسيًا للسلطة الانتقالية التي تولت عملها بعد الإطاحة بنظام عمر البشير، وسعت للسلام بشتى الطرق، من بينها استضافتها للقادة السودانيين في الحكومة والحركات المسلحة لتقريب وجهات النظر.


كما كان لأبوظبي دور في استضافة فريق الوساطة من دولة جنوب السودان، وتمويل اللوجستيات الخاصة بمفاوضات جوبا كاملاً لمدة حوالي العام، ولها حضور قوي وملحوظ في مفاوضات السلام ومراسم توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى.

دعم الشعب السوداني


ودعمت السودان منذ تولي الحكومة الانتقالية السلطة في سبتمبر 2019، والمساعدة في أن يذهب نحو نصف مليون طفل سوداني إلى المدارس، كما قدمت مع السعودية دعما ماليا للسودان بقيمة 3 مليارات دولار أميركي بواقع مليار ونصف المليار دولار لكل منهما.


وقدمت الإمارات أكثر من 80 طنا من المستلزمات الطبية إلى السودان لمساندته في التصدي لفيروس كورونا.


كما احتضنت أبوظبي محادثات مع مجموعة من الفصائل السودانية المهمة لإقناعها بالانضمام إلى محادثات السلام بالتنسيق مع الحكومة الانتقالية في السودان، وهو ما كان محل إشادة من قادة السودان الذي أكدوا أن أبوظبي بذلت جهودًا "كبيرة ومهمة ومقدرة" أسهمت في نجاح محادثات السلام.


وحظيت جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في دفع عملية السلام بالسودان وتحقيق هذا الإنجاز التاريخي بالثناء والإشادة من جميع قادة دولتَيْ السودان وجنوب السودان ورؤساء الحركات المسلحة السودانية والشعب السوداني نفسه.


وأشاد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك بجهود الوسطاء ومن بينهم الإمارات ومصر للتوصل إلى اتفاق السلام، مشيرا إلى أن البلاد تنتظر باقي الحركات المسلحة للانضمام لقطار السلام.


وقال حمدوك خلال كلمته عقب توقيع اتفاق جوبا للسلام، إنني أعلن للعالم أن السودانيين توصلوا للسلام وهو أول أولويات الثورة، وشعار "شعب واحد في دولتين" حقيقة أثبتها رئيس جنوب السودان بتوسطه لإتمام اتفاق السلام.