أطباء العراق يُعانون.. تهالُك النظام وغياب الكوادر يجعل مهمتنا "مستحيلة"

أطباء العراق يُعانون.. تهالُك النظام وغياب الكوادر يجعل مهمتنا
صورة أرشيفية

يزداد تفشي فيروس "كورونا" في العراق بشكل ملحوظ وسط عجز واضح في المنظومة الصحية المتهالكة، وفي نهاية شهر رمضان سجلّت وزارة الصحة العراقية 308 إصابات جديدة في أعلى معدل منذ ظهور الحالة الأولى في العراق، ليترفع عدد المصابين في العراق إلى 4272 شخصا والوفيات 152 عراقيا، الأكثر معاناة في العراق هم الأطباء الذين يقفون عاجزين عن مد يد العون للمواطنين العراقيين، بل ولا يستطيعون حماية أنفسهم بسبب النقص الشديد في الإمكانيات وأدوات الوقاية الصحية، وسط تطور ملحوظ لانتشار الفيروس في كافة أرجاء العراق، وسط مكافحة السلطات العراقية في ظل نظام صحي متهالك بعد سنين من الحروب، السلطات فرضت حظرًا شاملًا للتجوال خلال أيام عيد الفطر المبارك، وسط حالة من اللامبالاة من المواطنين الذين لا يلتزمون بإجراءات الحظر والتباعد الاجتماعي حتى الآن.
 
وزارة الصحة تحمل المواطنين مسؤولية انتشار "كورونا"


من جانبها، حمّلت وزارة الصحة العراقية المواطنين مسؤولية ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا خلال الفترة الأخيرة، مؤكدة أن السبب الرئيسي للتفشي يرجع لعدم التزام المواطنين بالحجر المنزلي، حيث أكد وزير الصحة حسن التميمي  "أن ارتفاع عدد الإصابات يعود لعدم التزام المواطنين، لكنه يعتبر منجزا للوزارة لكونها اعتمدت معايير منظمة الصحة العالمية بإجراء أكثر من 6000 فحص يوميا، وهى ليست عملية سهلة إطلاقا حيث تحتاج إلى المئات من الفرق الطبية في وقت أمنت فيه وزارة الصحة 20 مختبرا متخصصا في كل المحافظات".


ورغم أن وزارة الصحة ترى أنها تقوم بواجبها على أكمل وجه إلا أن للجنة الصحة والبيئة النيابية في العراق رأيا آخر حيث أحالت وزير الصحة السابق جعفر العلاوي إلى الادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، لمخالفته القوانين النافذة وعدم حضوره إلى مجلس النواب رغم طلبات الاستضافة المتكررة من قبل اللجنة.
 
البرلمان العراقي يحذر "المنظومة الصحية المتداعية".. ستنهار قريبًا


في السياق ذاته حذر البرلمان العراقي ممثلًا في خلية الأزمة الخاصة بمتابعة ملف وباء تفشي وباء كورونا من انهيار النظام الصحي في البلاد، خلال الأيام العشرة المقبلة، جراء تزايد الإصابات بالفيروس.


وأوضحت اللجنة أن النظام الصحي في العراق سيشهد انهيارا خلال الأيام الـ10 المقبلة في حال لم تتخذ الجهات المعنية إجراءات صارمة لمواجهة جائحة كورونا،  مضيفة أن التباعد الاجتماعي أكذوبة لن تحقق نتائج، وهذا ما رصدناه خلال جولاتنا الميدانية في العاصمة بغداد.

وعلى عكس العديد من الدول التي نجحت في إجبار مواطنيها على الالتزام بالإجراءات الاحترازية الصارمة لمحاصرة تفشي وباء كورونا ومن ضمنها فرض حظر للتجوال ووقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، لم يلاحظ خلال الأسابيع الماضية التزام العراقيين بالإجراءات الحكومية، حيث ظلّت الحركة شبه اعتيادية في مدن كبرى منها العاصمة بغداد.


ويعود ذلك إلى الحالة الاجتماعية للبلد ككل والتي يضطر معها السكان إلى مواصلة أنشطتهم للحفاظ على موارد رزقهم رغم تعرّضهم لخطر العدوى بالفيروس.
وحذر عضو لجنة الصحة وخلية الأزمة النيابية، من انهيار النظام الصحي في العراق في حال تجاوز الإصابات بفيروس كورونا حاجز الـ 5000 إصابة، مشيرًا إلى أن الأسبوعين المقبلين هما الأخطر في مسار التعامل مع الفيروس في العراق، وأن هناك ما بين 8 -10 آلاف حالة مشكوك في إصابتها وهم في الحجر المنزلي بسبب عدم القدرة على حجرهم في المستشفيات، مطالباً وزارة الصحة بالتعامل معهم بدقة.


وأوضح أن خبراء وزارة الصحة أكدوا لخلية الأزمة أن أسوأ الاحتمالات هو إصابة ما يقارب 200 ألف عراقي بالفيروس، مطالبًا الشعب العراقي بـ"الالتزام بإجراءات الوقاية الصحية في ظل ازدياد أعداد المصابين بما ينذر بخطر كبير قد ينهار بسببه النظام الصحي بأكمله وتخرج الأمور عن السيطرة خاصة في بغداد".
 
عاجزين أمام "كورونا".. المنظومة الصحية متداعية والشعب يتعامل بلامبالاة


يقول حسين خالد، (44 سنة) طبيب عراقي، يقيم في البصرة، الأوضاع متدهورة للغاية ولا أحد يساعدنا على القيام بواجبنا، فالمواطنون لا يلتزمون بقرارات الدولة والإجراءات الاحترازية ويملؤون الشوارع والأسواق وكأن لا وجود لفيروس كورونا، وعلى مستوى وزارة الصحة فهي تقف عاجزة أيضًا عن دعمنا بالأدوات اللازمة لحمايتنا من العدوى، نشعر بالأسف حين نرى أكبر ثاني دولة تمتلك احتياطات نفطية لا تملك أطباء ولا معدات ولا تمريضا.


وتابع خالد، تعاني البصرة من نقص شديد في معدات طبية حيوية، حيث لا يوجد بها سوى ثلاثة أجهزة للأشعة المقطعية ووحدة واحدة للفحص بالرنين المغناطيسي لكل مليون نسمة، وهي نسبة لا تُذكر مقارنة مع المتوسط العام في الدول المتقدمة، والذي يبلغ 26 جهازًا للأشعة المقطعية و16 جهاز رنين مغناطيسي، وأما عن أجهزة التنفس الصناعي فحدث ولا حرج، فالأعداد الموجودة لا تذكر ومعظمها لا يعمل بالكفاءة اللازمة..


وأضاف خالد: عدد كبير من زملائي في مختلف محافظات العراق أصيبوا ولم يجدوا مكانًا في مستشفيات العراق واضطر معظمهم لعزل نفسه في المنزل ومحاولة التعافي، فنحن نعمل في ظروف مستحيلة رغم أن الأعداد لم تصل إلى الحد الذي يتسبب في أزمة، ولكن القطاع الصحي متداعٍ بشدة ولا يحتمل ضغوطًا، مضيفًا، قبل كورونا كانت الأوضاع سيئة للغاية أيضًا ودائمًا ما كنا نشتكي من انهيار المنظومة ومنذ تفشي الوباء في العراق أدركنا أن كلمة انهيار لا تصف القطاع الصحي العراقي بدقة، فالأوقع أن المنظومة الصحية غير موجودة من الأساس.
 
نقص المعدات والكوادر الطبية سيتسبب في كارثة.. أهالي المصاب يقومون بدور التمريض


في السياق نفسه، تقول فاطمة عبد الرحمن، طبيبة عراقية (37 عاما)، نرى الإهمال بأعيننا في كل مكان، وأتمنى لو كان في استطاعتي جعل المواطنين يشاهدون ما نشاهده يوميًا في المستشفيات، الوباء لن ينحسر بسهولة وهناك إمكانية لإصابة المتعافين مرة أخرى وليس فقط من لم يُصَب من قبل.


وأضافت، طالبنا وزارة الصحة أكثر من مرة بإقناع الحكومة بالتريث في إجراءات تخفيف الحظر على الأقل لمدة أسبوعين من الآن وحتى البدء بتقييم الحالة، حيث نعلم جميعًا أن القطاع الصحي العراقي لن يتحمل تفشيًا كاملاً للوباء مثل ما حدث في بعض البلدان التي عندما اعتبرت أن قطاعها الصحي منهار كان يفوق القطاع الصحي العراقي بـ 100 ضعف على الأقل.


وتابعت "عبد الرحمن"، العراق يعاني من نقص كبير في أعداد الأطباء والممرضين والمستشفيات، قبل كورونا وأثناءها، فخلال عملي في السنوات الماضية رأيت أطفالًا يموتون على أسرة المستشفيات بسبب نقص في معدات أساسية وغير مكلفة مثل أسطوانات الأوكسجين، مضيفة، الكارثة الحقيقية هي أن بعض المستشفيات أصبحت مضطرة لقبول مساعدة أهالي المصاب، وهم يقومون بدور التمريض بسبب النقص الحادّ في عدد الكوادر الطبية المؤهلة وحتى غير المؤهلة، فالمسؤولون في المستشفى أصبحوا يطالبوننا بشكل واضح بتدريب سريع لأهالي المرضى ليستطيعوا رعاية ذويهم.