دامت سنوات في الظل.. إسرائيل وإيران تاريخ من الحروب غير المباشرة
دامت سنوات في الظل.. إسرائيل وإيران تاريخ من الحروب غير المباشرة

ينسج التنافس الإسرائيلي - الإيراني خيوطًا معقدة في منطقة طالما عانت التوتّر والنزاعات بسبب التوازنات الحسّاسة في القوة والنفوذ، على مدار السنوات الخمس الأخيرة، لم تكن المواجهات محصورة في سياق عسكري مباشر، بل تخطت حدود المعركة التقليدية لتخترق الفضاء السيبراني، الاستخباراتي واللوجستي، كان كلا الطرفين يتصرّف ضمن سياق إقليمي مضطرب، حيث تسعى طهران إلى توسيع نطاق نفوذها عبر محور مدعوم بأذرع مختلفة في العراق، سوريا، لبنان، واليمن، في مقابل محاولات تل أبيب كبح هذا التمدد وتفريغ قدرات إيران التسلّحيَّة والنوويَّة، وسط هذا التوازن الهشّ، تطورت المنافسة لتصبح سلسلة متتابعة من المواجهات والاغتيالات والعمليات الخاطفة التي لم تستهدف التشكيلات العسكرية فحسب، بل طالت قيادات محورية في كلا المعسكرين، هذه التغيرات التي طرأت على المواجهة تنبئ بأحقاد أبعد، تنذر بأيام أكثر خطورة في منطقة على شفا المواجهات المفتوحة.
*بداية سلسلة الضربات*
من عام 2019 حتى عام 2025، دخلت المواجهة الخفية والعلنية بين إيران وإسرائيل طورًا غير مسبوق في القوة والنطاق والنوعية، كان عام 2019 بداية سلسلة ضربات استباقية شنتها إسرائيل في العراق، سوريا، ولبنان ضمن سياق محاربة التمدد الإيراني في المنطقة.
تتحدث تقارير إخبارية، أن تل أبيب استهدفت شحنات أسلحة إيرانية كان يتمّ نقلها عبر العراق ضمن ما كان يطلق عليه «ممرّ التسليح الإيراني»، بالإضافة إلى ضرب سفن محملة بأسلحة في البحرين المتوسط والأحمر ضمن سياق محاصرة قدرات إيران على مدّ أذرعها بالعتاد الثقيل.
*اغتيال عالم نووي*
في عام 2020، دخلت المواجهات طورًا أكثر خطورة مع اغتيال محسن فخري زاده، العالم الذري الإيراني الأبرز في البرنامج النووي.
كان الاغتيال، الذي تم عبر مدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بُعد، إشارة قوية على وصول قدرات الاستخبارات الإسرائيلية إلى أبعد نقاط الحساسية في البرنامج النووي الإيراني.
خلال عام 2021، شهدت المواجهات سلسلة هجمات في عرض البحر، استهدف كلا الطرفين سفناً مختلفة ضمن ما كان يُعتبر «حرب سفن غير معلنه»، حيث هاجمت إيران سفنًا إسرائيلية في خليج عُمان، وفي البحر الأحمر، في مقابل هجمات مماثلة على سفن إيرانية في المنطقة.
في عام 2022، تم اغتيال العقيد حسن صياد خدائي في طهران على يد شخصين على دراجة نارية في هجوم محكم ألحق خسارة بأحد أبرز القادة في الحرس الثوری الإيراني.
وفي سياق مماثل، قضى مهندس إيراني وخبير جيولوجِي في ظروف غامضة عُزِيت لاحقًا إلى إسرائيل دون أن تؤكد تل أبيب مسؤوليتها رسميًا.
*نقطة تحوّل*
هجوم السابع من أكتوبر 2023 كان محطَّ تحول في سياق المواجهات، فقد شنت حركة «حماس»، بدعم إيراني ضمن سياق محاور إقليمية، هجومًا غير متوقع على إسرائيل. كان هذا الهجوم بداية سلسلة تطورات عسكرية إقليمية شملت هجمات لحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن على أهداف إسرائيلية.
وفي هذا السياق، تنصّلت إيران رسميًا من التورط في تلك الهجمات على الرغم من دعم جماعة محورها.
في شهر ديسمبر 2023، اغتالت إسرائيل مسؤولًا إيرانيًا في سوريا ضمن سياق المواجهات المتكرّرة على الأرض هناك.
وفي عام 2024، شنَّت إسرائيل هجومًا على مبنى يتبع السفارة الإيرانية في دمشق أسفر على الأقلّ عن مقتل 3 قياديين إيرانيين، بالإضافة إلى 4 مسؤولين عسكريين.
ردَّت إيران في وقت لاحق بأكثر من 300 صاروخ ومسيرة على إسرائيل في هجوم كان غير متوقع ضمن سياق التوازنات التكتيكية في المنطقة.
وفي هجوم لاحق، استهدفت إسرائيل أنظمة الدفاع الجوي في إيران بما في ذلك تلك الحسّاسة والمرتبطة بأمن البرنامج النووي.
وفي يوليو 2024، تم اغتيال إسماعيل هنية في دار ضيافة تتبع الحرس الثوری الإيراني في طهران، وهو تطور يزيد التوتّر ويعمق الخسائّر في كلا الطرفين.
*هجوم "البيجر"*
ثمّ في سبتمبر 2024، فقد السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أميني، إحدى عينيه في هجوم إلكتروني على أجهزة النداء المستخدمة في حزب الله.
وفي سياق مماثل، اغتالت غارات إسرائيلية حسن نصر الله في بيروت، وهو شخصية محورية في محور المقاومة، وفي أكتوبر 2024، أطلقت إيران نحو 180 صاروخًا بالِيستِيًّا على إسرائيل ضمن سياق محاولة كبح التمدد الإسرائيلي في المنطقة.
كان معظم تلك الصورايخ يتم اعتراضه في الجوّ، وفي أواخر أكتوبر 2024، شنت إسرائيل غارات على الدفاعات الجوية الإيرانية في محاولة للتفوق التكتيكي على قدرات نظيراتها.
*ذروة التصعيد*
مع بداية عام 2025، كان التوتّر في الذروة. كان بنيامين نتنياهو يقترح على دونالد ترامب خطة عسكرية للتعاطِي مع التهديد النووي الإيراني. لكن الرئيس الأمريكي أبقى على الخيار الدبلوماسي ضمن سياق التوازن الدقيق في المنطقة.
وفي شهر يونيو، كان هناك تخوف رسمي في البيت الأبيض من أن أي هجوم إسرائيلي على إيران قد ينسف محادثات التهدئة ويؤجج المنطقة بأكملها.
لكن إسرائيل لم تتوقف عند التهديدات والضغط الدبلوماسي. فقد شنت سلسلة غارات على أكثر من 20 شخصية إيرانية قيادية ضمن عملية أطلقت عليها «الأسد الصاعد»، في مقابل إطلاق إيران «الوعد الصادق 3»، وهو هجوم بالصواريخ أسفر بالفعل عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة العشرات وتضرّر أبنية مختلفة.
هكذا تتوالى محطات المواجهة في سياق صراع إقليمي يضع كلا الطرفين على شفا الخطر الكامل، حيث التوازن الهشّ قد ينهار في أي لحظة ويتحول إلى مواجهة شاملة غير محسوبة العواقب.