واشنطن بوست: طهران تهمس تحت رماد العقوبات.. طبقة وسطى منهكة وأحلام معلّقة

واشنطن بوست: طهران تهمس تحت رماد العقوبات.. طبقة وسطى منهكة وأحلام معلّقة

واشنطن بوست: طهران تهمس تحت رماد العقوبات.. طبقة وسطى منهكة وأحلام معلّقة
طهران

في قلب العاصمة الإيرانية طهران، يعيش ملايين المواطنين واقعًا يوميًا مفعمًا بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي خلّفتها سنوات طويلة من العقوبات الغربية، وسوء الإدارة الحكومية، والفساد المستشري في مؤسسات الدولة. 

وأكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن هذه العوامل مجتمعة دفعت الكثيرين من أبناء الطبقة الوسطى إلى التعايش القسري مع واقع اقتصادي هشّ، وإلى تأجيل طموحاتهم الشخصية والمهنية إلى أجل غير مسمى.

وتابعت، أنه خلال العام الماضي وحده، فقد الريال الإيراني نصف قيمته، في ظل عجز الشركات المحلية عن الوصول إلى الأنظمة المصرفية الدولية بفعل العقوبات، مما أعاق قدرتها على جذب الاستثمارات والعملاء. 

وأشارت أن التضخم في ارتفاع مستمر، وباتت أسعار السلع الأساسية تتغير بوتيرة يومية تقريبًا، ما زاد من شعور المواطن بعدم الاستقرار.

نوافذ على معاناة الطبقة الوسطى في طهران


كشفت مقابلات أجرتها الصحيفة الأمريكية، مع مواطنين من مختلف أنحاء طهران عن واقع اقتصادي ومعيشي يبدو راكدًا، لكنه ما يزال مستقرًا نسبيًا.

 وفي إحدى الحدائق العامة وسط العاصمة، جلست مريم (37 عامًا) مع صديقتها سارة وأطفالهما، تتحدثان عن كيفية التكيّف مع الوضع الراهن. ورغم تأييدهما العام للنظام، إلا أن سارة لا تتردد في الإشارة أن بعض السياسيين لا يهتمون إلا بـ"ملء جيوبهم"، على حد تعبيرها.

مريم وسارة تنتميان إلى الطبقة الوسطى، وتمتلك كل منهما منزلًا خاصًا وتوقفتا عن العمل بعد إنجاب الأطفال، بدعم من رواتب أزواجهما، ولكن مع ارتفاع الأسعار وتآكل القوة الشرائية، اضطرت العائلتان إلى تقليص الإنفاق على الألعاب والملابس والإجازات العائلية.

وترى مريم، أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، خاصة مع جيل جديد "أقل تحمّلًا" للمشاق مقارنة بجيلها، مشيرة أن زوجها بدأ العمل في سن المراهقة، بينما تسعى هي لتشجيع أبنائها على الدراسة بدلًا من العمل.

بوادر تعافٍ اقتصادي


يرى إسفنديار بطمنجليج، المدير التنفيذي لمؤسسة بورصة وبازار، وهي مؤسسة بحثية تتخذ من لندن مقرًا لها، أن البيانات الاقتصادية الأخيرة تشير إلى نوع من التكيّف البنيوي، وربما بعض التحسّن، في الاقتصاد الإيراني.

 ويضيف أن البلاد بدأت تخرج تدريجيًا من أحلك فترات أزمتها الاقتصادية، رغم استمرار المشكلات البنيوية مثل الانقطاعات المتكررة في التيار الكهربائي.

ويشير بطمنجليج، أن العقوبات التي فرضت مجددًا في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عام 2018، إضافة إلى جائحة كورونا، أحدثت تغييرات جوهرية في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. 

ورغم تشديد ترامب للعقوبات لاحقًا، خاصة ضد الجهات المصدرة للنفط إلى الصين، فإن الريال الإيراني شهد بعض التحسّن بعد استئناف المحادثات النووية مع الولايات المتحدة.

المفاوضات النووية


وسط هذه الأجواء، دخلت طهران وواشنطن جولة خامسة من المفاوضات النووية في روما الشهر الماضي، ورغم وصف وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، الوسيط في المفاوضات، التقدم بأنه "بعض التقدم لكنه غير حاسم"، ما تزال العقبات الجوهرية قائمة، خصوصًا في مسألة تخصيب اليورانيوم، حيث تصر واشنطن على وقف التخصيب بالكامل، وهو ما تعتبره طهران شرطًا مستحيلًا.

ورغم تفسير البعض لمشاركة طهران في المفاوضات كعلامة ضعف، فإن مسؤولين وخبراء ومواطنين داخل إيران يرون صورة أكثر تعقيدًا: دولة منهكة لكنها لم تنهَر، وشعب يتوق إلى التغيير دون أن يبلغ نقطة الانفجار.

غياب الحماس الشعبي
على عكس مشهد الابتهاج الشعبي الذي رافق توقيع الاتفاق النووي الأول عام 2015 مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، تعكس الأجواء الحالية في طهران شعورًا عامًّا بالتشاؤم.

يرجع البعض ذلك إلى الإحباط الشعبي المتزايد من النظام، لا سيما بعد القمع العنيف للاحتجاجات التي اجتاحت البلاد في عام 2023.

وفي أحد الأسواق الشمالية لطهران، قالت إحدى المتسوقات: إن فقدان الثقة في الولايات المتحدة بلغ ذروته بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني عام 2020. 

وأضافت: أن "الشهداء" لهم مكانة خاصة في قلوب الإيرانيين، وأن هذا الحادث جعل من الصعب الوثوق بأي نوايا أميركية.

الفجوة تتسع بين الواقع والطموح


على الرغم من الموارد التي تحظى بها العاصمة مقارنة بباقي المحافظات، فإن معاناة سكان طهران لم تعد خافية. 

وفي أحد مراكز التسوق الراقية، وقفت نيرفانا، 44 عامًا، تتأمل مستقبلًا كانت تحلم به ذات يوم. تقول: إنها كانت تفكر بالزواج، لكنها غيرت رأيها بعد أن شاهدت معاناة صديقاتها مع تكاليف المعيشة والإيجارات المرتفعة، وتضيف أنها تفضّل البقاء في منزل أهلها على الدخول في تجربة مجهولة العواقب.


وفي متجر صغير يملكه شهريار (46 عامًا) وزوجته بهار (43 عامًا)، عبّر الزوجان عن قرارهما بعدم إنجاب أطفال، لأنهم يرون أنه لا مستقبل لهم في هذا البلد. 

ويقول شهريار: إنه إذا لم يتحسن الوضع قريبًا، فلن يستطيع دفع إيجار متجره خلال الأشهر المقبلة.

الأسواق بلا مشترين


حتى في بازار طهران الكبير، أحد أقدم وأهم المراكز التجارية في البلاد، تبدو حركة الشراء شبه معدومة. 

يقول مصطفى، 41 عامًا، الذي يعمل كدليل للزبائن في قسم السجاد: إن زوجته تعمل معلمة، وكانت في الماضي تستطيع ادخار ما يكفي لشراء سجادة فاخرة، لكن اليوم لم يعد بمقدور أي معلم تحقيق ذلك. ويضيف أن كل دخل الأسرة يذهب لتلبية الاحتياجات الأساسية فقط.

ويتسائل مصطفى إن كانت القيادة في البلاد غير مدركة لمعاناة المواطنين، أم إنها ببساطة لا تبالي. ويعترف بأنه بات يشعر بإحباط شديد لدرجة أنه يأمل في فشل المحادثات النووية، لأن ذلك قد يعجّل بسقوط النظام، على حد وصفه. 

ويضيف: أن التغيير سيحمل ثمنًا باهظًا، لكنه مستعد للتضحية إذا كان ذلك سيضمن حياة أفضل للأجيال القادمة